يتعجب البعض لماذا يُبقى الروس رئيسهم فى منصبه أكثر من ٢٠…


يتعجب البعض لماذا يُبقى الروس رئيسهم فى منصبه أكثر من ٢٠ سنة. هذا سؤال وجيه، لأن الشعب الروسى شعب متعلم متحضر، والنظام ليس شمولياً كما يروج البعض. ربما تلقى هذه المقالة قليلاً من الضوء على هذا الأمر.

كان لى أصدقاء روس درست معهم فى الجامعة فى سان بطرسبورج. و سمعت منهم شخصياً عن ما حدث بعد إنهيار الإتحاد السوڤييتى، وكيف تفكك المجتمع تماماً وأصبح غابة بدائية. أحد أصدقائى حكى لى كيف تلقى ذات مرة مكالمة تليفونية: “نحن نعرف المدرسة التى تذهب إليها بناتك. وإذا لم تدفع مبلغ كذا، أنت تعرف ما سيحدث.” لم يكن هناك بوليس ولا سلطة. وكان على صديقى أن يتعامل مع العصابات بنفسه، فإضطر أن يستأجر عصابة أخرى لكي تحميه من العصابة الأولى

صديقى الآخر كان مديراً لمعهد أبحاث فى سيبيريا. توقفت الطلبيات وتوقفت المرتبات، وقالت له موسكو: “ليس لدينا شيء. إفعل ما تشاء، أو سرّح الناس.” البعض ماتوا حزناً، وغيرهم باع ما كان يمتلكه من أثاث لكي يطعم أولاده. كان إنهياراً تاماً للمجتمع وللقيم.

شاهدت بنفسى أطلال مصنع فى ضواحى سان بطرسبورج كان ينتج أسلحة للصيد والرماية منذ عهد بطرس الأكبر. جاءت شركة أجنبية وإشترته ب ٢٠ مليون دولار، ثم أغلقته بعد أيام وسرحت كل العاملين وأصبح خرابة مهملة.

كان حماي قد إدخر مبلغاً من المال يكفيه بقية حياته. وبين يوم وليلة أصبح كل هذا لا يساوى ثمن حذاء. أرسلنا له بالبريد بعض المعلبات ليأكل، وعندما وصله الطرد كان ما بداخله قوالب طوب بدلاً من المأكولات.

هذه بعض الأمثلة لما تردت إليه الأحوال فى تلك الفترة، وهي أمثلة لم أقرأها فى جريدة أو على قرطاس لب، بل رأيتها شخصياً و سمعتها من أصدقاء ربطتنى بهم صداقة حياة.

فى هذه الظروف من الإنهيار الكامل الشامل أرسل الله رحمته بأخذ السكير الأرعن من على وجه الأرض، وجاء بعده بوتين. وبيد هادئة وحذرة أعادت الحكومة تضميد المجتمع الذى تحطم. أرجعت البوليس والقضاء والجيش والمدارس، والبريد والتليفونات، وبدأت فى دفع المرتبات من جديد. وبعد بضعة سنوات رجع المجتمع الروسي ليس من حافة الهاوية، بل من قاع الهاوية، وأصبح مجتمعاً طبيعياً تستطيع الناس أن تعيش وتنتج فيه.

الذين يتعجبون لماذا يحصل بوتين على ٧٥% من الأصوات قد لا يعرفون هذا التاريخ، أو قد يعرفونه ويتمنون لو كان يلتسين ما زال رئيسا حتى لا تقوم لروسيا قائمة أبداً. صدقنى، لو كان يلتسين مازال رئيساً لما إحتجوا على طول مدته.

أهم سمات الديموقراطية هي تداول السلطة. وبوتين قد ظل فى السلطة أطول من المعتاد والمتوقع. هذا صحيح. لكن أغلب الروس يريدونه أن يستمر. ربما لأنهم يعتقدون أن المواهب الفذة نادرة، وإذا عثرت عليها فتمسك بها. وهذا ليس أمراً غريباً، فقد شاهدناه فى حالة الرئيس روزڤلت، و نشاهده أحياناً فى الشركات الأمريكية. فهي عندما تجد مهندساً أو مديراً ذا موهبة فذة، نراهم يكسرون القواعد لإبقائه والإستفادة من قدراته لأطول وقت ممكن.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version