كتّاب

«وحيد حامد»: حزب عشاق الكلمة…


«وحيد حامد»: حزب عشاق الكلمة

نحن جيل محظوظ حاور «الرمز».. وعشق سطوراً جعلت لوجودنا «قيمة».. تعلمنا أن الثورة «فن» يتقنه الأذكياء.. وأن الكتابة «شرف» لا يناله إلا النبلاء.. وأن كلمة الحب «وعد».. وأن «الأستاذ» موقف يتشكل أمامك وهو يقاوم الاستبداد والفساد ويسدّد الثمن راضياً.. الأستاذ يستمد قيمته من «مصداقيته»، وحين تنظر فى عينيه ترى قلبه وتلمس عقله.. وترتجف وجداً وإجلالاً.
أنا منحازة للأستاذ «وحيد حامد»، أحببته منذ كنت أحبو فى عالم الصحافة، حين كتب هو والكاتب الراحل «أسامة أنور عكاشة» ضد من جلدوا الطبيب المصرى، (الذى كان يدافع عن عرض نجله فى أحد البلدان)، أحببته حين قاد حملة الهجوم على «عمر عبدالكافى» وكان الأخير يقود حملة تكفير الفن وتحجيب الفنانات.. وقتها سدّد «حامد» ثمن مواقفه الشجاعة، فأوقفت الدول العربية شراء أفلامه وإبداعاته فى أول «حصار» لمبدع من نوعه فى العالم العربى.. لكنه نجح فى إقصاء «عبدالكافى» عن تليفزيون الدولة، ونجح دائماً فى «كشف المستور» وتعرية الجروح المتقيحة فى مجتمعنا.. وفى كل مرة كان يسدّد الثمن من صحته وسمعته بكتائب التشهير وشلل المصالح.. لكنه لم يندم أبداً، ولم يعلن إفلاسه إبداعياً، ولا اعتزاله للنضال بقلمه الشريف.
كاتب برتبة «مقاتل» يقود بقلمه حرباً ضروساً، ليمنح للصحافة الورقية «قبلة الحياة» فى سنوات عمره الأخيرة.
«وحيد حامد» يبدع.. يناضل.. يسافر للعلاج.. يكتئب.. يبوح وأنا أستمع فى سنوات الوجع الأخيرة حين يُفضفض بأنفاس تخرج من رئتيه بصعوبة.بيننا أسرار دافئة وشائكة، تسجّل يوميات الوطن، بعيداً عن سيناريوهات تمر على الرقابة.. قبل نحو عامين كتب لى: (أستاذة أنا خايف عليكِ منهم -يقصد تيار الإسلام السياسى- لم أعتد أن أقلق، هم جرّونى إلى المحكمة، هل سيقتلوننى؟.. صدقينى.. لا أمان لهم، والوش الحقيقى كامن بداخلهم.. لديهم عدوانية العقارب)!.
ورغم التحذير والخوف الأبوى، كان «الأستاذ» يسجل لى دائماً كلمات الفخر والإعجاب بنضالى ضد «العقارب» وهم أكثر وحشية ممن سماهم «طيور الظلام».. هذا العملاق يقرأ لنا جميعاً، ويسجّل ملاحظاته ويرسل لنا عبر «الواتس آب» مقالاً أعجبه: (الكتابة أصبحت صعبة).. كان هذا المناخ أكثر قسوة على قلب «وحيد» المنهك!.
حين كتبت عنه مقالاً بعنوان: («وحيد حامد» شخصية العام) عقّب الأستاذ: (غداً سوف يكرمنى «أبومازن» ويمنحنى وساماً.. ومقالك عنى وسام على صدرى، لأنه من مصرية تحمل قضية).. والحقيقة أن كلماته هى الوسام الذى أعتز به.نعم كان لا بد أن نحتفى بمن علّمنا كيف نفكر ونكتب ونحارب -مثله- الفساد والاستبداد، وأن نقيم له تظاهرة حب، وأن نكرمه قبل أن يغادر أرضنا الشائكة، التى جاهد على مدار 50 عاماً لينزع الأشواك منها ويمهدها للأجيال القادمة.. كان لا بد أن يشعر بالبهجة والفرح، أن يعاند مرضه ويقف على المسرح يستوعب تلك الطاقة الهائلة من الحب.
قبلها بعدة أشهر، كان بيننا لقاء أخير لم يتم، داهمتنا «كورونا»، اكتأب الأستاذ الذى اعتاد أن يجلس على شرفة مطلة على النيل ليستقبل «مجلس الأشرار».. وأتصور أن تكريمه فى وطنه أخرجه من حالة الاكتئاب، لتستعيد روحه جسارة القتال.. لكن يبدو أن معركته قد انتهت.. ترجّل الفارس شامخاً وترك ساحة المعركة لا تزال صاخبة.كيف كان «وحيد حامد» ينحت مصطلحاته الخاصة فى اللغة: («البلد دى اللى يشوفها من فوق غير اللى يشوفها من تحت.. فيلم طيور الظلام، «الفيلم ده قصة ولّا مناظر».. فيلم المنسى).. هذه اللغة هى التى كانت تحول الشاشة إلى بشر وأحاسيس وأحداث.. هى التى كانت تحرّضنا على التأمل والرفض.. تدفعنا للسخرية من أنفسنا، من جهلنا من واقعنا.. تدفعنا لضحك بطعم البكاء.. اللغة التى جعلت السينما سلاحاً للتغيير.
«وحيد حامد» كان طرفاً فى كل معركة خاضها شرفاء الوطن بفنهم وإبداعهم أو بأقلامهم، كان دائماً مشتبكاً مع الحياة، وداعماً لكل «حرف» متمرد ومقاوم.. هو من غزل بقلمه الساحر خطواتنا.. من علمنا أن نكتب بحبر القلب.. أن نهزم «الخوف».. أن نذوب عشقاً حتى يتطهر البشر من حولنا.سوف يسجل التاريخ أن «وحيد حامد» كان فى الصف الأول لمواجهة التطرّف والإسلام السياسى والإرهاب، وأنه أول من كشف خداع الإخوان «الجماعة» والسلفيين.. وأنه لم يساوم أو يهادن ولم يسلم سلاحه «قلمه» لآخر نفس فى صدره.

https://m.elwatannews.com/news/details/6392590


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫8 تعليقات

  1. شكرا لك استاذه سحر علي هذا الفال الرايع وعلي هذا المقال الذي عبرتي فيه عن وفائك لهذا المدع العظيم الاستاذ وحيد حامد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى