هل من الصعب فهم عملية التطور؟…


هل من الصعب فهم عملية التطور؟

إطلاقاً! … كل ما يتطلبه الأمر هو إستيعاب ٣ نقاط بسيطة سأشرحها فى هذه النبذة. (أما رفض الفهم لأسباب عقائدية فهو موضوع آخر لا أناقشه هنا.) النقاط الثلاثة التى يلزم إستيعابها هي: ١. الطفرات الجينية؛ ٢.الإنتقاء الطبيعى؛ ٣. النطاق الزمنى.

أولاً – الطفرات الجينية: الجينوم هو المادة الوراثية فى الكائن الحي، وهو شفرة تتكون من مليارات الحروف. وتحتوى كل خلية فى الكائن الحي على الجينوم بأكمله. كل مرة يجرى فيها نَسخ الجينوم تحدث أخطاء فى حرف هنا وحرف هناك. الأغلبية الساحقة من هذه الأخطاء ليس لها تأثير ملموس على صفات وقدرات الكائن الحي. لكن فى أحيان نادرة يكون الخطأ له تأثير ملحوظ. على سبيل المثال – قد يتغير لون جلد الكائن، أو طول رقبته، أو حدة بصره، … إلخ . هذه الطفرات تحدث فى أفراد وليس فى النوع بأكمله. أما إنتشارها من الفرد إلى النوع فهو موضوع النقطة الثانية، وهي الإنتقاء الطبيعى.

هناك ٣ أنواع من الطفرات الجينيه – ١. الطفرات التى تعطى الفرد مزايا فى المنافسة على البقاء والتكاثر؛ ٢. الطفرات التى تضعف قدرة الفرد على التنافس؛ ٣. الطفرات التى لا تأثير لها. تهمنا الآن الطفرات التى تنتج عنها مزايا. وهذه بعض أمثلتها –
* الطفرة التى جعلت رقبة الزرافة أطول، فأصبحت تستطيع الوصول إلى أوراق الشجر التى لا تستطيع الحيوانات الأخرى الوصول إليها.
* الطفرة التى جعلت طفل الغزال أرقط، فأصبح من الصعب رؤيته بين الأعشاب.
* الطفرة التى جعلت لون الكابوريا قريب من لون الصخور التى تعيش بينها، فأصبح من الصعب على طائر النورس رصدها من فوق.
* الطفرة التى أعطت النمس مناعة ضد سم الثعبان.
وهناك آلاف الأمثلة الأخرى التى يستطيع القارئ التفكر فيها بنفسه.

ثانياً – الإنتقاء الطبيعى:
معظم الكائنات تعيش “على الحركرك (*)”، بمعنى أن العوامل التى تساعد على بقائها بالكاد تزيد عن العوامل التى تؤدى إلى إنقراضها. على سبيل المثال – سرعة الغزالة بالكاد تزيد على أقصى سرعة يستطيعها الفهد (cheetah). لذلك يعيش النوعان فى توازن هش. لو حدثت طفرة جينية فى أحد الفهود تزيد سرعته قليلاً، لتمكن ذلك الفهد من إصطياد ما شاء من الغزلان. هذا الفهد و نسله ستكون لهم ميزة فى التنافس على البقاء، ومع مضي الأجيال ستترعرع فصيلتهم وتنقرض الفصائل الأخرى من الفهود (لقلة الغزلان المتاحة لهم.)

عن طريق هذه الآلية البسيطة إكتسبت الزرافة طول الرقبة، و الصقر حدة النظر، والجمل القدرة على تخزين الماء، والإنسان مخاً كبير الحجم، … وهكذا. أي أن الأنواع التى نعرفها اليوم هي الأنواع التى كسبت بالفعل فى مباراة البقاء. أما الأنواع التى خسرت فهي (“تعيش إنت”) قد إندثرت ولا نجد منها إلا بقايا متحجرة كل حين وآخر.

هذا الكلام ليس ‘rocket science’ و لا ‘brain surgery’، بل هي معلومات بسيطة، كلها فى نطاق ما يستطيع أي شخص عادي إستيعابه لو تحرر من كلابيش المعتقدات التى تشل تفكيره.

ثالثاً: النطاق الزمني (time scale):
الطفرات الجينية والإنتقاء الطبيعى هي عمليات تراكمية قد تستغرق مئات أو آلاف الأجيال ليظهر تأثيرها. من الناحية الأخرى ليس فى مقدرة الشخص البسيط إستيعاب مالا يشاهده شخصياً ومباشرة، أو ما يحدث فى نطاق زمني لا يقارن بفترة حياته (عشرات السنين.) . لذلك ليس من الغريب على البعض أن يجدوا صعوبة فى قبول هذه الحقائق. نجدهم يقولون “طوال حياتى لم أرى زرافة تزداد رقبتها طولاً، أو شخصاً يزداد حجم مخه. كما أن أبى وجدى لم يشاهدا أياً من هذه الأمور.” وهذا صحيح، لأن التغيرات التى أدت إلى تطور الإنسان المعاصر إستغرقت ملايين السنين؛ و٩٩,٩% منها حدثت فى أزمان لم يكن الناس فيها قادرين على أكثر من العثور على قوت يومهم، ناهيك عن الملاحظة والتسجيل والتفسير.
___________________________
*) “على الحركرك” فى العامية المصرية تعنى بالكاد، (مثل النجاح بتقدير ٥٠,١%.)

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version