قضايا المرأة

جمانة حداد | يمكن معكم حق …


جمانة حداد

اذ كنت امشي أمس في شوارع المدينة ، على عادتي يومياً في هذه الفترة ، سعياً لاسترجاع بعض من لياقة جسدية نسفتها مدام كورونا ، صارت تصلني أحاديث متقطعة من هنا وهناك ، يتبادلها الناس اذ امر بمحاذاتهم. طبعا ، لا شيء في تلك الأحاديث يشي بالبهجة. همّ وغمّ وجملٌ أقلها من عيار “عايشين” بنبرة من يحتضر. ولكن أكثر ما لفتني ، وأكثر ما سمعت ، كلمة ترددت تقريبا على كل لسان: هجرة. هجرة هجرة هجرة. “يا رب تفتح بوجي وفل من هون” ، قال خضرجي الحيّ الملقّب بأبو شادي لأحد زبائنه.

"يا رب اقدر فلّ": إنه توق لدى لبنانيين كثيرين اليوم ، خصوصاً ، ولكن ليس حصراً ، لدى الجيل الشاب. هل تتخيّلون معي الحشود ما إن يفتح المطار؟ نصف شعب عن بكرة أبيه سوف يهجّ من ساسته. عندما سمعتُ أمنية أبو شادي ، تذكرتُ كلام الرئيس عون الشهير: "يلي مش عاجبو يفلّ". تذكرتُ كيف لا تزال طبقتنا السياسية المهترئة هي هي ، واضحة أو مقنّعة ، رغم ١٧ تشرين وما تلاه. تذكرتُ وقاحة الزعماء ، ووقاحة تلك ، ووقاحة المصارف ، وانتظارَنا المذل أمام الأبواب لنأخذ ما هو لنا وثمرة تعبنا ، وقد أصبح يوازي ثلث قيمته.  

تذكرتُ غضبنا ، وحسرتنا ، والظلم اللاحق بنا ، وافتقارنا الى أبسط شروط العيش بكرامة منذ عقود. تذكرتُ فاتورة الخلايا الباهظة ، وفاتورة الموتور التي صارت ممأسسة ، والضرائب التي ندفعها بلا خدمات في المقابل ، وإني وكثيرين لم نر يوما متل الخلق في هذا البلد منذ ولادتنا ، وإني وكثيرين ما زلنا نسمع الأسماء نفسها في نشر الأخبار منذ وعينا على هذا القرف. تذكرتُ "حقوق الطوائف" ، وتدخلات رجال الدين ، والتمييز ، والقمع ، والاستدعاءات ، وأمور عديدة تثير الاشمئزاز. تذكرتُ جدي الكندرجي الذي لجأ إلى هذا البلد من ظلم الأتراك ، ووالدي العامل الكادح والآدمي الذي ربانا على الثقافة والأخلاق ، وكيف خذلهما هذا البلد وخذلنا جميعاً.

هجرة ، تقولون؟ للمرة الأولى أجيبكم ولا أريد أن أصدق نفسي: يمكن معكم حق.

http://mc-d.co/1UyC.T


اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى