كتّاب

هاشم العامر | أمس سمعت صوت “خرخشة” في البيت ، لا أعلم ما إذا كانت الخرخشة كلمة


أمس سمعت صوت “خرخشة” في البيت ، لا أعلم ما إذا كانت الخرخشة كلمة فصيحة ، لكنها ذلك الصوت الذي تسببه حركة غير مرئية ، بداية ظننته فأرا ، فأنا قادر على تمييز صوتها ، في طفولتي في بيتنا سمعت العديد منها.

لا أعيش في قبو حاليا ، ولم أر فأرا طيلة عامين مكثتهما في هذا المنزل ، ولا أعلم كيف يمكن فأر التسلسل لمكان لا شيء فيه يفتح إلا الذكريات التي اعتد استرجاعها طيلة شهور الحجر.

أمس أيضا كنت أراجعها ، أين أنت أيها الفأر! نهضت عن أريكتي التي أخالها ستنهض معي ذات مرة ، لكثرة ما أطيل الجلوس عليها في هذا الحجر اللعين.

كنت غاضبا منه جدا ، حتى أنني أريد تمزيقه إذا ما تمكنت منه ، فآخر ما ينقصني ، في هذا الحبس المفروض ، فأر ينهش من وحدتي التي نمّاها ما يعرف باجراءات التباعد الاجتماعي الالزامي.

في رحلة بحثي عن الكائن الصغير هذا ، والمكنسة في يدي استعدادا لاعدامه ، تذكرت عنكبوت ديستوفسكي ، وظننت الفأر صديقا جاء يؤنس وحدتي.

رق قلبي .. فمنذ مدة لم أر كائنا جاء لزيارتي سوى بيت نمل كريه ، تقمصت دور هتلر للخلاص منه ، نحيت المكنسة جانبا ، لن اقتله ، سأكتفي بفتح الباب له للخروج ، فالخارج فارغ بسبب الحظر المفروض ، أخيرا سيسرح فأر ويمرح دون تدوسه عجلات مسرعه ، وإذا ما كتبه النجاة من قطط الشوارع ، سيعيش حياة حرم منها ملايين البشر ، بسبب ما قالوا أنه فيروس يتربص بالخارجين من منازلهم والهاربين من عزلتهم.

لن يكون صديقي ، فما زلت امتلك طاقة للعيش معزولا لشهر آخر قادم .. لكن عندما أجده.

بحثت جيدا في كل أرجاء المنزل ، أين أنت أيها الصغير!<br /> لا أثر له ، لكني جازم بسماع خرخشته ، وذلك صوت أخبره جيدا ، إنه صوت الفئران أيام الطفولة ، في بيتنا القديم كان يزورنا العديد منها كل صيف ، قتلت فأرا منها ذات مرة وفرحت أمي ، وشعرت بالبطولة حينها ، فقد خلصتها من الكائن التي لدى القرويين بالطاعون .

فقدت الأمل بالعثور عليه ، لكني أقسم أني سمعت صوت خرخشته ، أشعلت مصابيح المنزل وسيجارة ، وعدت التصق بأريكتي ، منتظرا أن يطل صديقي الصغير برأسه ، لكنه لم يظهر ..

لم أجن ولم أسأل نفسي عن الأوهام ، ما زلت بكامل وعيي ولم أصل مرحلة اختلاق ما هو غير موجود ، فأنت لست حكومة قال لها إعلام العالم أن وحشا يدعى كورونا يأكل الخارجين من بيوتهم ليلا.

لا أؤمن بالشياطين كثيرا ، فماذا عساه أن يكون إن لم يكن فأرا؟

تذكرت قصة جار لي ذات مرة ، سمع مثل هذه الخرخشة ، واعتقدها جن جاء يلهيه عن دينه ، واستدع نصف شيوخ المنطقة ، وقالوا له أنه جن أسود من إفريقيا ليتبين بعد أيام أنه فأر رمادي اللون.

انا أكيد من سماع الصوت ، وأكيد من هذه الخرخشة ، أخرج بالله عليك ، فأنا لست نظاما حاكما يريد إحكام قبضته على شعبه ، بحجة الحفاظ عليهم من فيروس غدار ..<br /> أخرج أرجوك ، فأنا لست نظاما رأسمالي ، ولست بنكا تنقل يريد زيادة المدينين بعد انهيار اقتصادهم بفعل اجراءات العزل الصحي.

مرت ساعتان ولم يخرج ، ولا أريد النوم وفي بيتي فأر.<br /> الخرخشة مرة أخرى .. سمعتها ، لست واهما إذا ، أين مصدرها فهناك سيكون الفأر الصغير ، ما زال الصوت يصدر ، بحثت عن المصدر.

ما هذا !! إنه خارج من بطني .. يا إلهي هل الفأر في بطني؟ هل ابتلعت فأرا؟ كيف ومتى فأنا لم آكل من الصباح شيئا !!<br /> لم آكل منذ الصباح؟ إذا معدتي فارغة .. هل يعقل أن هذه الخرخشة صوت الأمعاء الفارغة؟ كيف لم أعلم ذلك؟<br /> فذلك أيضا صوت اختبرته في طفولتي كثيرا ، لطالما كنت جائعا .. كيف لم أستطع معرفته!

سابقا كل غرف المنزل كانت تتحول في الليل إلى مطبخ ، حيثما سرت ليلا وجدت نفسك في المطبخ تبحث عن شيء تأكله .. ما الذي تغير حتى ظننت صوت جوعي فأرا؟
في الحجر المفروض هذا ، تحولت كل غرف المنازل لقبو ، أينما جلست في بيتك في وحدتك تجد نفسك جالسا في قبو حيث تعيش الفئران ...


هاشم العامر | كاتب

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى