نوح (ملحق)…


نوح (ملحق)

يعلمنا سفر التكوين أنه بعد أن إنحسرت المياه ورسي الفُلك على اليابسة، إحتفل سيدنا نوح بشرب النبيذ حتى فقد وعيه ونعس وإنكشفت عورته وهو نائم. كان لنوح ٣ أبناء – سام وحام ويافث، وشاءت الظروف أن حام دخل إلى الخيمة بالصدفة ووقعت عيناه على عورة أبيه. هرع حام إلى أخويه يخبرهما بما حدث، فأخذا ملاءة ودخلا الخيمة بظهريهما، وألقيا الغطاء على نوح لستر عورته.

ربما إعتقد القارئ البريء أن ما حدث كان أمراً بسيطاً، و “يا دار ما دخلك شر.” … حام لم يتلصص على أبيه، ولم يقصد أن يرى شيئاً، عورة أو غير عورة، بل دخل الخيمة كما إعتاد أن يدخلها لا يتوقع شيئاً غير معتاد. وإذا كان هناك خطأ فهو خطأ نوح نفسه الذى سكر حتى فقد وعيه (وفقاً للنص.)

ويكون القارئ فى ظنه هذا مخطئاً – فعندما إستيقظ نوح وعلم بالأمر (*) ألقى على إبنه حام لعنة إلهية كونية الأبعاد – أن يكون هو ونسله من بعده خدماً وعبيداً لأخويه سام ويافث ونسلهما. ليس لجيل أو جيلين أو حتى ٧ أجيال، بل إلى أبد الآبدين آمين، وذلك لمجرد أن حام رأى جزءاً من جسم أبيه بالصدفة و بدون قصد. (**)

يقول المثل العربى: “يكاد المريب أن يقول خذونى.” وهنا أيضاً لا يحتاج المرء أن يكون عبقرياً ليستشف أن هذه الحكاية “متفصلة (tailored)” لتبرير إستعباد الأفارقة، بما فيهم المصريين، بواسطة الساميين والأوروبيين. (***)

وهنا أيضاً يدخل القصة الفقير لله كاتب هذه الكلمات – وفقاً لسفر التكوين أنا من نسل حام، (ويشاركنى فى هذا الإنتماء سائر المصريين والأفارقة.) ووفقا لنفس النص يتعين عليا أن أقبل سيادة نسل سام ويافث، وأكون لهم خادماً وعبداً، أنا ونسلى من بعدى، إلى أبد الآبدين. المشكلة هي أننى ليست عندى أية نية أن أكون عبداً لأحد أياً من كان، وأي ما كان المصدر الذى ينص على ذلك.

أما إذا كان هناك قاريء كريم يؤمن بأن هذا نص سماوي معصوم، ومقتنع بأن الإرادة الإلهية حكمت عليه بأن يكون هو وأولاده عبيداً للساميين والأوربيين، فهنيئاً له على قناعته. ورجائى الوحيد هو أن لا يدخلنى فى حساباته.
_______________________
*) لا يخبرنا النص كيف علم نوح بما حدث وهو نائم – هل أخبره بالأمر حام؟ أم الإبنان الآخران؟
**) كان والدى (الله يرحمه) عندما كبر فى السن يحتاج إلى من “يدعك” له ظهره أثناء الإستحمام. وكانت المهمة تقع على عاتقى أحياناً. لكنه لم يحكم عليا بالعبودية لأحد.
***) بالفعل إستخدم رجال الدين فى أوربا وأمريكا هذه القصة لتبرير العبودية حتى سنة ١٨٦٥.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version