مفكرون

نشوان معجب | هل باستطاعة الدين كمنهج تعليمي وسلوكي أن يخلق الإنسان الفرد الكامل بما تحمله


هل باستطاعة الدين كمنهج تعليمي وسلوكي أن يخلق الإنسان الفرد الكامل بما تحمله كلمة (الإنسان) من معنىً إنساني، ويقيم المنظومة الإنسانية الفاضلة المثالية في المجتمع وفي العالم لو التزم الناس بتعليمه، أم لا؟.

وهل العلمانية اللادينية كمنهج وسلوك إنساني اجتهادي باستطاعته أن يُنجز شيئا من ذلك بصورةٍ أحسن مِنَ الدين أم أسوأ؟؟.

بمجرد النظر في هذا المعيار ومقياسه الإنساني، فإننا نستطيع الحُكم بين الدين واللادين دون الحاجة لضرب الأمثلة من الواقع أو التاريخ، لأنه مقياسٌ منطقيٌّ ظاهر، وحسبنا أن نسرد الملاحظات المنطقية المشهودة التالية في بيان الفرق بين الدين واللادين بمقياس الإنسان والإنسانية:

1- لا شك أنَّ الدين يقوم على أساس الفصل والتفريق بين الناس إلى مؤمنين وكافرين به، وهذا هو حال كل دين، ثم يُفرِّخ الدين نفسه بنفسه إلى فِراخٍ مذهبيةٍ متفرِّقةٍ تحت عدة تسمياتٍ وتوصيفاتٍ تقضي بالفصل والمغايرة والتمايز بين أتباع الدين الواحد إلى حدِّ التكفير والاقتتال في بعض الأحيان.

وهذا لا يمكن أن ينتج عن اللادين، بل تبقى الإنسانية هي الدين الجامع عند اللادينيين الذين ينادون للعلمانية الإنسانية مهما كانت الفروقات العرقية أو القومية أو الوطنية أو الجغرافية بينهم، كما هو حال الشعوب والحكومات الأوروبية العلمانية اليوم، التي يتعايش أبناؤهم فيما بينهم بمحبة وـ///ــلام وهم خليطٌ من الأعراق والانتماءات المختلفة.

2- إنَّ ذلك الفصل والتفريق الذي يُقرُّه الدين ويؤكده ويؤصّله في أتباعه بمختلف الأديان والمذاهب، يجعل من أولئك الأتباع إنسانيين في التعامل مع مَن كان مِن نفس مذهبهم أو دينهم فقط، أما في معاملة الغير فإنهم لا يقيمون للقيم الإنسانية أيَّ اعتبارٍ إلا تحت ظروفٍ أو ضغوطٍ معيَّنة كحالة الضعف التي تضطرهم أن يرضخوا لقوانين الدول العلمانية.

وهذا لا يمكن أن يقع فيه اللادينيون الذين يُعلنون أنَّ دينهم هو الإنسانية فحسب، فيكون الناس جميعا في أعينهم سواسية مهما اختلفت أديانهم أو أعراقهم أو أي أنتماءات أخرى، كما هو الحال في الشعوب التي تجذرت فيها الثقافة العلمانية اليوم.

3- إنَّ ذلك الفصل والتفريق الذي يَخلقه الدين في نفوس أتباعه بتمييز الناس إلى مؤمنين وكافرين، يقتل في نفوس أولئك الأتباع معاني الرحمة والشفقة والرأفة والمواساة تجاه كل مَن خالفهم في مذهبهم مِن أبناء المذاهب الأخرى في نفس الدين ناهيك عن الكافرين المخالفين لدينهم، حتى لو مكَّنهم الله وأغناهم وفتح عليهم أبواب الخير والنعيم كلها، واحترموا أنفسهم ولم يعتدوا على الآخرين المخالفين لهم، فإنهم لا يَمُدُّون يد العون والمساعدة والمواساة – غالبا – للمخالفين لهم مهما أصابتهم الكوارث المدمِّرة وألمَّت بهم الحاجة والفاقة والمجاعات، إلا في حالاتٍ نادرةٍ كأن يكون لهم مشروعٌ تبشيريٌّ لنشر دينهم ومذهبهم يستهدفون به أولئك المخالفين المنكوبين المضطرين.

وهذا بعكس اللادينيين الإنسانيين، فإنهم يمدُّون يد العون والمساعدة لكل إنسان محتاجٍ ولأيِّ دولةٍ أو أمَّةٍ منكوبةٍ بغير تفريقٍ أو تمييز، وليست منظماتهم وجمعياتهم المُهتمة بحقوق الإنسان وأعمال الإغاثة وسائر نشاطاتهم الإنسانية الخيرية التي نشأت من دون أيِّ دوافع أو برامج أو أهداف غير الإنسانية بخافيةٍ على أحدٍ اليوم.

4- إنّ مبدأ الفصل والتفريق الإيماني الذي شرعه الدين وزرعه في قلوب أتباعه، لا يُغيِّب تلك المعاني والمشاعر الإنسانية النبيلة التي ذكرناها (كالرحمة والرأفة والشفقة والمواساة) فحسب، بل يُغيِّرها ويُشوِّهها في قلوب أولئك الأتباع، لتتحوَّل إلى نزعاتٍ خبيثةٍ متوحِّشةٍ تفيض بالحقد والقسوة تجاه المخالفين لهم، حتى يصل الأمر بهم إلى حدِّ الشماتة والتشفِّي والفرحة عند حلول أيِّ مُصيبةٍ على الكافرين المخالفين لدينهم والمخالفين لمذهبهم أيضا، حتى لو كانت كارثةً جارفةً قد حصدت أرواح الآلاف من الأطفال والنساء الأبرياء في صفوف المخالفين، وأنا شاهدٌ على ذلك بين المـ///ــلمين في العديد من المواقف والمشاهد التي حدثتْ فيها مثل تلك الكوارث في دولٍ ومجتمعات غير إـ///ــلامية.

وهذه البلوى والكارثة الأخلاقية الخطيرة لا يمكن أن يُصاب بها اللادينيون الإنسانيون مهما اختلفوا مع غيرهم، لأن دينهم الإنسانية بكل قيمها ومبادئها وأخلاقها النبيلة، وهي الدافع والمحرك الذي ينطلقون منه وبه، وهي غايتهم التي يجاهدون في سبيل تحقيقها هنا في الأرض.

وأخيرا فإني بالطبع لم أقصد بمعياري وتقييمي السابق كل الناس في كلا الجانبين، بل قصدتُ الغالبية العظمى، ولا اعتبار للقلة في القياس.

#ذوالنونين

نشوان معجب | ناشط مجتمعي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى