قضايا المرأة

نجاح جرادي، صانعة محتوى “منذ ثلاث سنوات شعرت بأنني ولدت من جديد.كانت حياتي مبني…


نجاح جرادي، صانعة محتوى

“منذ ثلاث سنوات شعرت بأنني ولدت من جديد.كانت حياتي مبنيّةً على الخوف والقمع والطاعة.
أما اليوم، أنا المسؤولة عن كل قرار أتّخذه في حياتي.

كنت أسكن في مدينة القبة في طرابلس. كان منزلنا في الطبقة الأخيرة في المدرسة التي تعلمت فيها حتى صف الـ”بريفيه”.
لذا، اقتصر ذهابي إليها على ركوب المصعد للوصول إلى باحة الملعب، ثم العودة إلى البيت بعد انتهاء اليوم الدراسي.

حين وصلت إلى المرحلة الجامعية، منعني والدي من اختيار الجامعة الذي أريد التعلّم فيها، بحجة “المجتمع الذي ننتمي إليه”.
كان يقول لي دائماً إنني “شرفه وعرضه” في حال قمت بأي أمرٍ لا يعجبه. ويلجأ دائماً إلى الحب ليبرر أفعاله معي.
في سنتي الجامعية الأولى، كان يراقبني طوال الوقت. كلما التفت أراه خلفي. وحين أسأله عن السبب، يرد :”أنا هنا لأطمئن عليك”. أنا أكرهه فعلاً!

التمييز بيني وبين أخوتي بدأ يظهر حين بدأت دورتي الشهرية. مُنِعْتُ من اللعب مع الأولاد في الشارع، على الرغم من أنني كنت في التاسعة من عمري، بحجّة أنني أصبحت “صبية”، ويجب أن أبدأ بالاهتمام بالأمور المنزلية. أخوتي تعلموا رياضة الغطس، أما أنا، فلم يأتِ أحد ويسألني إن كان لدي رغبة في التعلّم أو لا.

هذا التمييز دمّرني وجعلني أشعر أنني أدنى منهم… أدنى من الجميع. وسألت نفسي: “لماذا يحق لهم ولا يحق لي!”.
هذا التهميش جعلني أفكر بالانتحار كي أستريح من هذا الواقع المرير. كما أنني وصلت إلى مرحلة إضرابٍ عن الطعام لأنني أعامل كسجينة تنتظر من يحررها. لكنني اتخذت القرار منذ ثلاث سنوات وتحديداً آخر يومٍ من شهر كانون الأول/أكتوبر، وحررت نفسي بنفسي.

في ذلك اليوم تشاجرت مع والدي، ووصلنا إلى مرحلة الضرب الجسدي العنيف. فقررت أن هذا اليوم هو الأخير لي في المنزل.
جمعت بعضاً من ملابسي، ووضعت أوراقي الثبوتية والجامعية في ملفٍ صغير، إلا أن أبي توقع خروجي. فأقفل جميع الأبواب.
حافظت على هدوئي يومها، جلست في غرفتي واستمعت إلى الموسيقى. وفي اليوم التالي قلت له: “عليك أن تفتح الباب”. فأجاب: “أنا والدك وأحبك”، ثم خرج مع العائلة. استغليت الفرصة، حملت بعضاً من أغراضي وهربت من هذا السجن.
شعرت للمرة الأولى في حياتي بأنني قوية، وكنت حينها في الثانية والعشرين من عمري، في تلك الفترة بدأت حياتي كما أريدها. عشت بمفردي. تعلمت المونتاج عبر الإنترنت. واجهت صعوباتٍ ماديةٍ كثيرة. وعلى الرغم من ذلك كنت سعيدةً لأن هذا قراري.

‎أُظهر للعالم أنني شفيت من الماضي، لكنني من الداخل أعاني وأعيش صراعاً يعذبني.
‎أصبحت امرأة تخاف أن تقول ما في ما بالها كي لا تشعر بالرفض. أصبحت منطوية على ذاتي. أعاني من نوبات توتر، وصعوبة في التواصل مع الآخر.
‎لكنني أعمل على تقوية ثقتي بنفسي وعلى كيفية قول كل ما أريد. وفي كل مرةٍ أشعر فيها بالخوف من أي شيء، أذكّر نفسي بأنني كنت في سجن، وبأنني أتعالج من الأسباب التي أوصلتني إلى طريقة التفكير هذه. قصصت شعري قصيراً، ولونته لأرى شكلي جميلاً ومختلفاً. وما زلت في مرحلة استكشاف نفسي.
‎أنا اليوم بحالٍ أفضل من الأمس، وغداً سأكون أفضل من اليوم.
‎#لبنان #شريكة_ولكن

‎كتابة وتصوير: سارة حطيط


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى