كتّاب

مِعزة الشيخ عبد اللطيف، “المبروكة”. . وعبد الرحمن كتخذا:…


مِعزة الشيخ عبد اللطيف، “المبروكة”. . وعبد الرحمن كتخذا:
آمن المصريين من أقدم العصور بأن الله قد خلق الكائنات جميعا وأودع في كل منها بعضا من أسراره وقدرته ومن هنا فقد قدسوا العشرات منها مثل: حقت، الضفدعة.. والثور، أبيس.. والتمساح ،سوبك .. والصقر، حورس ومونت.. والبقرة، حتحور.. وأبو قردان،تحوت.. والقطة، باستت.. وابن أوي، أنوبيس.. والكبش، خنوم.. واللبؤة، سخمت
وتكشف جدران المعابد عن علاقة رائعة بين المصري القديم ومختلف الكائنات الحية، وحتى اليوم تحذر الأمهات أطفالها من ضرب القطط، كما تجد أصحاب الدكاكين في الاحياء الشعبية يضعون بجوار باب الدكان أنية قد تكون فارغ علبة تونة يضعون فيها ماء لسقيا القطط القريبة ويطعمونها أيضا، وليس من النادر ان تجد رجلا أو أمرأة تحمل حقيبة بلاستك وفيها طعام للقطط والكلاب، يقفون في أماكن تجمعاتهم ويطعمونها بيديهم ويقيمون معها حوارا لطيفا ويطلقون عليهم اسماء.. وقد عرفت وأنا صغير فلاحين يقيموا حوارا مع دوابهم… يتضمن عبارات للود والتشجيع والتهديد والخصام.. ..
وفى الربع الأخير للقرن الثامن عشر وعندما كانت مصر تحت حكم العثمانيين الأتراك كان للشيخ عبد اللطيف وهو خادم بسيط من خُدّام مسجد ومقام السيدة نفيسة العلم رضي الله عنها. “مِعْزَة” – عنزة- سماها “المبروكة” صغيرة تصحبه في غدوه ورواحه.. وكانت ككل “العنزات” شقية، تصدر عنها مأمآت طويلة وقصيرة.. ومتقطعة..وهمهمات غريبة.. ويدور بينها وبين صاحبها الشيخ، أحياناً حوارا صاخبا مثل مايحدث بين القرداتي وقرده،
وفي أحد الأيام قال الشيخ عبد اللطيف ان “مبروكة” أخبرته أن جنود المسلمين الذين أسرهم فرسان القديس يوحنا وسجنوهم في جزيرة مالطة سوف يعودوا هذا الأسبوع، وفوجئ الناس بعودة الأسرى وتزينت القاهرة فرحا بعودة الأسري وسطع نجم المِعزة المبروكة وراحت المعزة تتنبأ – كما يقول الشيخ عبد اللطيف بالأحداث، – وراحت النساء والرجال من ذوي الحاجات يتزاحمون على دار اللطيف إلتماسا لقضاء حوائجهم من المبروكة: وما أكثر الحاجات التي يلتمس الناس قضائها فهناك دائما من تريد الزواج ومن تزيد الحَبَل، ومن تريد الإنجاب ومن تريد إنجاب الذكر، وإعادة الزوج الهاجر ومن يريد البرء من داء عضال، وغيرها من حاجات وقام الشيخ عبد اللطيف – خير قيام- بدور الوسيط بين المبروكة وأصحاب الحاجات فيفسر لهم كلامها وينقل إليهم طلباتها من: قمح وأرز وسكر وزبد وعسل نحل ولحوم وقطع ذهبية وتشيع في أحياء القاهرة الحديث عن بركات المِعزَة المبروكة وتحاك القصص عن قدراتها العجيبة ومعجزاتها وسرها الباتع، وتطوق النساء جيدها بقلائد الذهب ويتزاحم الناس على بابها طلبا للقبول والبركة ويتدافعون ويشتبكون بالأيدي وتصل أخبار “معزة الشيخ عبد اللطيف” وماتثيره من لغط إلى أسماع حاكم القاهرة ومدير أمنها واحد أهم البنائين فيها، وهو “عبد الرحمن كتخذا”، فيرسل من أمنه من يستقدم الرجل ومعزته إلى داره بالقلعة،
يرحب الكتخذا بالشيخ ومعزته ويتحسسها ملتمسا منها البركة، ويزهو الشيخ وهو يقص على الكتخذا وضيوفه عن معجزات المِعزة، فيطلب الكتخذا من الخدم أن يأخذوا المبروكة إلى الحريم فلا شك أنهن جميعا في شوق إلى للتبرك بها، ويشرب الشيخ قهوته، ويهم بالقيام طالبا “المبروكة” ولكن الكتخذا يصر على تناول الفاكهة والحلوي، وهو مشغول مع ضيوفه بالحديث في أمور الدولة، ويأزف وقت صلاة العصر فيلحف الكتخذا على الشيخ بأداء الصلاة معهم، ويأتي وقت وجبة “الغداء” فتمتد المأدبة وتوضع الصواني ويصر الكتخذا على أن يشاركهم الشيخ غدائهم ويجلس بجواره وأمامهم صينية هائلة من اللحم، والكتخذا يهتف بالشيخ: كُل يا شيخ عبد اللطيف كُل.. هذا اللحم الذيذ،.. وكلما فرغ الشيخ من هَبرة اللحم التي أمامه ناوله الكتخذا غيرها وغيرها..والكتخذا يكرر:كُل ياشيخ كُل لحما لذيذا،.. حتى انتهت المأدبة وشكر الشيخ للكتخذا كرم ضيافته وتهيأ للخروج طالبا مِعزته المبروكة
. ولكن الكتخذا يبادره بجدية وحزم: أي مِعزة يا شيخ؟ أُمال اللحم اللي “طفحته” دا كان إيه؟.. هل كنت تتصور ان نتركك تواصل النصب على الناس بالمِعزة التي تقبع الآن داخل كرشك الواسع؟ ونادي الحرس الذين أوكل إليهم بمهمة تجريس وإهانة الشيخ عبد اللطيف، فأركبوه حمارا بالمقلوب وطوقوا عنقه بأمعاء المِعزة، وخلفه من يدق الجرس وينادي: المحتال المحتال، بينما يساهم الناس بإهانة المحتال بالصفع على وجهه وقفاه والرمي بالمراكيب القديمة
… يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى