كتّاب

من غُرزة صالح إلى السوق الخليجية…


من غُرزة صالح إلى السوق الخليجية
مروان الغفوري
ــــــــ

في العام ١٩٩٦ كتب الراحل عبد الرحمن البيضاني، أحد الآباء المؤسسين للجمهورية، مقالاً بعنوان “إلى الداخل دُر”. ناقش البيضاني فكرة انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي ساخراً من الفكرة، مشيراً إلى أن الشروط الموضوعية والعملية التي ستتطلبها عملية سياسية كتلك من الصعب الإيفاء بها. كانت رسل صالح التي بعثها إلى الخليج تحمل مقترحاً بضم اليمن إلى “المجلس” قد دارت إلى الخلف، بالفعل، وسمعت كلاماً عائماً. أما نظام صالح فأعاد التذكير بمواقفه زاعماً أنها كانت متناغمة مع العروبة والأخلاق، مثل إنه وقف ضد الغزو العراقي للكويت وضد التدخل الأجنبي، ضد الأمرين.
عثر نظام صالح على جملة “العمق الاستراتيجي للخليج” وراح يستخدمها بلا وعي، وبلا جدوى.

صالح، الذي فعل كل الأشياء العظيمة في اليمن وقاتل كل الأشياء الضارة كما يعتقد، كان قد نسي موقف نظامه من الغزو العراقي للكويت. فبعد الغزو بسبعة أيام كان قد قال لصحيفة الشرق الأوسط إن صدام يملك دوافع كافية جعلته يتخذ ذلك القرار. وخرج المنظر الأكبر لنظامه “الإرياني” ليقول: لو لم نقف ذلك الموقف للعننا التاريخ. بعد ربع قرن أصابت لعنة التاريخ نظام صالح.

يحدث حالياً في اليمن أن صالح عاد مرة أخرى وشكل حلفاً عسكرياً مع دولة عدوانية إلى الشمال الشرقي من الخليج. ليس ذلك بالأمر الجديد على صالح. أحد عرابي نظامه ورجله المقرب منه، ياسر العواضي، كتب في تويتر قبل شهر من الآن إن صالح خزن أكثر من ٣٠ ألف صاروخ توشكا استعداداً لحرب مع السعودية.

بعد خمسة أعوام من حرب الخليج التي “أخرجت العراق من عصر الصناعة” بتعبير غارودي ذهب صالح يطلب صداقة جيرانه المغدورين. تماماً كما يفعل مع خصومه في اليمن: يطلق الرصاص إلى رؤوسهم وينكس الأعلام حزناً وألماً.

صالح ذو الذهن المشطور، يعيش في رأسه القط والفأر معاً كما تتحدث عنه الباحثة الأميركية الأرمنية فايسباخ، لم يكن سوى خطر أمني. في العام ١٩٧٩ أخبره عبد العزيز عبد الغني، وقد عاد من الخارج يحمل الدكتوراه، إن الرئيس يملك الحق في التصرف بالبنك المركزي وأن ذلك عرفاً في كل العالم. وفي العام ١٩٩٧ قال أحمد القميري، أحد أهم صانعي سياسات حزب الإصلاح، إن صالح “ثابت وطني مثل الدين واللغة والعلم”. وبين العامين ١٩٩٨/ ١٩٩٩ كتب عنه نصر طه مصطفى “التجربة وآفاق المستقبل” مستنتجاً أن صالح القدر الذي انتظره اليمنيون. وفي العام ٢٠٠٧ قال عنه فارس السقاف، أحد حملة الدكتوراه، إنه أعظم هبة في التاريخ اليمني. وفي ٢٠٠٩ وصفه سمير اليوسفي، محرر صحيفة الجمهورية، بأعظم ديموقراطي في الشرق الأوسط. وفي ٢٠١٠ وصفه الشاطر، محرر صحيفة ٢٦ سبتمبر، بالرجل الذي تجري في عروقه الديموقراطية كما يجري الماء في العود الأخضر.

حاول المثقفون اليمنيون، وحملة الدكتوراه، على مدى عشرات السنين بيع تلك البضاعة القذرة للجمهور، وكانوا يحققون نجاحاً. قليلون منهم اتخذوا موقفاً نقيضاً من صالح بعد ذلك، كنصر مصطفى. بقيت مجموعة تعمل معه أو تركته لكنها بقيت تعمل في مهاجمة خصومه.

وفي العام ٢٠١١ خرج الشعب اليمني ووضع حداً لتلك الحقبة القذرة. لم تمض بعد ذلك سوى أعوام قليلة حتى كان مجلس الأمن يمنعه من السفر ويحقق معه كزعيم عصابة تطارده تهم جسيمة مثل القتل والعمل مع المافيا ونهب الأموال.

التقيت وزيراً عمل مع صالح، وسألته. قال إن صالح، مطلع الألفية، عندما سمع تصنيفاً أممياً جديداً يضع اليمن في قائمة الدول الفقيرة أرسل وفداً رفيعاً. كانت مهمة الوفد إقناع الدول الغنية، والمنظمات الدولية، بفكرة أن اليمن من الدول الأكثر فقراً وليس الدول الفقيرة. أحضروا معهم أدلة ووثائق كثيرة تؤكد كلامهم، فذلك أمر يعني صالح كثيراً، وله متعلقات مادية ليست بالهينة. بعد ذلك بأعوام قال رئيس تحرير صحيفة حديث المدينة، فكري قاسم، إن صالح لو اضطر لتركيب “حدبة” على ظهر كل يمني ليشحت بها في الخارج لفعل ذلك. غير أن صالح اهتدى لتلك الحدبة “الإرهاب” وألصقها على ظهر اليمني جاعلاً منه خطراً أمنياً طبقاً للتصنيف الدولي. أدرت تلك العملية على صالح الأموال واستطاع أن يحصل من خلالها على تجهيزات عسكرية وتكنولوجية كبيرة، وراح يستخدم تلك التجهيزات في كل شيء إلا في مواجهة الإرهاب. أما اليمني الاعتيادي، اليمني الشائع واليومي، فناله من “حدبة صالح” الحصار وفقدان الأمن والعار.

كان صالح خطراً أمنياً، أو “الوغد الأميركي” كما وصفته النيوزويك في ٢٠١٠. لا يزال قادر على زعزعة الاستقرار وخلق تحالفات تهدد الذات الوطنية وأمن منطقة الخليج. فهو الرجل الذي قال للأميركان إن القاعدة في قبضة يده، بينما كانت في أطراف أصابعه، بتعبير الكاتب الصحفي عزت مصطفى.
بعد عشرات السنين اكتشف الأميركان، ومعهم السعوديون، أن صالح ليس بالوغد الأميركي، ولا الوغد السعودي. إنه الوغد الذي بلا ملامح ولا أخلاق. بإمكانه أن يكون وغداً لأي عاصمة، وبمقدوره أن يقوم بأعمال بشعة لا تخطر على بال أحد. قبل أعوام مات مجرم كاميروني، من أشهر مزوري العملة، في سجون صالح في صنعاء. استدعاه صالح مطلع التسعينات، طبقاً لصحيفة المصدر، وعملا معاً على تزوير عملات صعبة استخدمت في شراء ولاءات ساسة وعسكريين ورجال قبائل من جنوب اليمن قبل الحرب. إلى أي مدى لعبت العملة المزورة في صناعة ذلك الحلف؟ إذا استخدمنا النتيجة الإحصائية التي يؤكدها عيدروس النقيب، الكاتب المعروف: ثلاثة من كل أربعة يمنيين جنوبيين وقفوا مع صالح في حرب ١٩٩٤، فإن جنوب اليمن ربما غرق في بحر من العملة المزورة في تسعينات القرن الماضي.
هذا الصورة الموزاييكية من فوضى زمن صالح تعطينا انطباعاً كلاسيكياً عن الطريق الذي سكله الرجل وساق فيه بلداً كبيراً فأورده المهالك. كانت اليمن هي الأرض المنسية في الجزيرة العربية، تعامل معها الجيران والعالم باعتبارها متحفاً على الجبل، أو “المهد” كما يسميها أدونيس. تركت وحيدة حتى صارت “غرزة لا تصلح سوى للقات والسيجارة” كما كتب مواطن يمني يعيش في السعودية. تلك الغرزة جلس صالح في بابها مبتسماً وقال للعالم إنه أنتج دولة حديثة بمقاييس عصرية مانحاً نفسه لقب الزعيم. وكان أول زعيم في التاريخ ينفق من عمره ثلاثة عقود ليبني غرزة.

قبل أيام كتب عبد الرحمن الراشد عن الحاجة لضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي. وقبل ١٩ عاماً قال البيضاني للساسة اليمنيين “إلى الداخل دُر”. دار اليمنيون إلى الداخل وتاهوا في ذلك الداخل وأنتج دورانهم دوامة سحبت الآخرين. لا يمكن أن يدور ٢٥ مليون دون أن ينتجوا أسوأ أنواع الرياح. في أعالي الحرب الراهنة تأكدنا أننا لا نعيش في غرزة بل في ثقب أسود يتلاشى فيه الزمان، تماماً كما هي ثقوب ستيفن هوكنغ السوداء. وأن على الجيران أن يعملوا لإخراجنا من ذلك الثقب لا أن ينتظرونا للخروج منه. فمبقدور الفأر أن يحول اللبن إلى كتلة من الجبنة ثم يصعد عليها وينجو من الإناء الذي سقط فيه.
لكن الثقب الأسود لن يصير فحماً، سيبقى متاهة سرمدية ولا بد من حبال من الخارج.

صار ملحاً، وحاسماً، أن ندور إلى الخارج ومع الخارج، وأن تضع الدول المجاورة اليمن على طاولتها الكبيرة لا على شاشة مقاتلاتها . أن تتحرك بعض السقالات من الدوحة والرياض والكويت ودبي إلى عدن والمخا والمكلا وسقطرى.
الخليج الغني و”المُحاصر” بحاجة ماسة إلى أن يرفع عدد سكانه إلى أكثر من ٦٠ مليون، كما تقول أمنية الراشد. تلك الجغرافية الواسعة، ذات الجمال الاصطناعي الذي يسلب الألباب، بحاجة أيضاً إلى مُشاة يدافعون عنها..

أما اليمنيون فلا يريدون أن يكونوا الجياع العالة، بل أمراً آخر: دلونا على السوق.

وسننجو معاً.

عن الوطن القطرية.

http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?d=20151107&cat=news1&pge=10

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫30 تعليقات

  1. الخليجيون لم يقبلوا اليمن عضوا في مجلسهم بحجة عدم تأهله وعندما بدأت العواصف ذهبوا الى المغرب واﻻردن ليضموه الى مجلسهم وعندما رأوا اليمن يشق طريقا بعيدا عنهم تذكروا عروبتهم واخوتهم .
    علي عبد الله مأساة اليمن شاركت في صنعها السعودية والحرب اليوم ليس ضد صالح والحوثيين ولكن ليبقى اليمنيون في زاويتهم ينتظرون المعونات .

  2. وفي 2015 م
    قال عنه أبو سهيل ياسين
    عفاش مسبة الدهر ووصمة عار في تاريخ اليمن وصفحة مقتمة بين صفحات ذلك التاريخ
    أولها مهرب خمر في المخا أوائل السبعينيات من القرن العشرين
    ثم تيس الضباط في صنعاء في أواخر السبعينيات من نفس القرن
    ثم الشاوش علی في القمم العربية في التسعينات
    ثم عفاش بن عباس بن مطحاس في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين

  3. الشعب اليمني شعب كلمه رطل يفهم أوقيه شعب لاسمع دقة الطاسة رقص شعب يسمع الصباح الظهر قد نسي لا المتعلم ولا المثقف ولا الإمي كلهم سواء شعب با لبركة شعب لايقل تخلف عن الهنود الاحمر في امريكا الجنوبيه الامم المتحدة تعطيهم الشباك ليتعلم الصيد بدل الحبه عشره رموا بالشبكه وأخذو سنارتهم خايفين من غضب الالهه واليمني مهما تثقف مهما تعلم العبودية جينات تسري في دمه فلا مراهنه ولارهان علي اليمنيين ولامستقبل لليمن واليمنين شعب مطبل وعاد الحسين والحسن الاصحو وابراهه والفيل بيصلو اليمن الاف الاحبوش يوميا يصلو اليمن فارسي وحبشي ونطيحه ومترديه ومااكل السبع من بعده من بهدههههههههههه

  4. مقال اكثر من رائع دكتور مروان،ولو انه كان في جانب واحد ،وعملت ع تجاهل جوانب اخرى مهمه جدا، المهم دكتور مروان اعتقد،ان الاجابه ع سؤال دلني ع السوق،هي العلمانيه كنظام ننتهجه،وبدون تحفظات،وعليك اقناع الاصلاحيين بذلك،اعتقد هو الحل ،لنبني وطن،بعيد عن من يتخذون من الدين ستار لما يريدون،لا لما يريد الوطن.

  5. مازال هناك رعاع وعبيد لعفاش مازالوا بعد كل هذا القتل اليومي للشعب والخراب والدمار الذي يحل باليمن يتغنون بذلك الكلب الذي اصبح يتغذى على برازه … واصل علي الضبياني

  6. يعني كل حلمك لاهل لليمن الذي انت احد افرادها ان تصبح واحد من 25 مليون يتم استئجارهم ليكونوا مشاه يدافعون عن ذالك الجمال الاصطناعي المزيف..
    كنت اتمنى ان ترى اوتسعى ولو اعتباطا
    ان يكون لليمن دور في الحياه غير الدفاع على الكروش والمؤخرات المكتنزه..
    ويصبحوا عبيدا وجواري على موائد النفط…

    يامروان اخرج من الزاويه التي تضع نفسك فيها
    وكن واحدا من النخبه التي تصنع الفرق وتنير للجيل الضائع شمعه..
    ليس بالضروره ان يكون للمثقف انتماء سياسي
    او توجه ايدلوجي عندما تفقد السياسه انتمائها للوطن
    وتتخبط الايدلوجيات للبحث عن ممول..
    كن نموذجا لجيل
    كن انت وتخلى عن الجميع وانظر اليهم بحياد تام
    لتستطيع ان تراهم كماهم مجموعه من الاقنعه المزيفه تتاجر بك وبنا وبالوطن.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى