توعية وتثقيف

الدراسة فى الإتحاد السوڤييتى – ١١…


الدراسة فى الإتحاد السوڤييتى – ١١

كلمة ‘بابوشكا (bàboushka)’ فى اللغة الروسية تعنى ‘جِدّة’. لكن اللفظ يُستعمل أيضاً للإشارة إلى أية سيدة بلغت ذلك السن. كل مجتمع عنده بابوشكاته، لكن البابوشكا الروسية فى الستينات و السبعينات كانت شيئاً آخر – مثل قوة من قوى الطبيعة العارمة، لا يستطيع أحد تحديها أو تجنبها.

عَيّنَت البابوشكات الروسيات أنفسهن وصيات على المجتمع دون أن يُصدق على ذلك التعيين برلمان أو دستور. فكنتَ إذا خرجتَ إلى الشارع فى الشتاء بدون غطاء رأس (مثلاً)، سرعان ما تستوقفك بابوشكا لا تعرفها، و توبخك بصرامة، كما لو كانت هي ناظرة مدرسة، و أنت تلميذ خيبان.

و إذا كنت تدفع أمامك عربة أطفال، فلم تكن تنجو من عدة “كمائن” بابوشكية للتأكد من إتباعك لكل قواعد تمشية الأطفال فى الشتاء. حتى إذا كانت البابوشكا محملة بأكياس من البطاطس و الكرنب، لم يكن ذلك يردعها عن إيقافك و توبيخك لأن طفلك ليس ملفوفاً “كما يجب؛” و ربما تطرقَت البابوشكا من ذلك إلى أن شباب “هذه الأيام” يفتقرون إلى الإحساس بالمسؤولية و معرفة الصح من الخطأ.

كل شيئ فى نظر البابوشكات كان يبدو و كأنه ليس “كما يجب.” و لم يكن أحد يعرف من أين جئن بقائمة “ما يجب”، و “ما لا يجب”.

أما ما كان يثير حفيظة البابوشكات على نحو خاص فهو سلوك بنات “تلك الأيام”. فالبنات كن يرتدين جونلات قصيرة للغاية، و تحتها جوارب من النايلون لا فائدة منها و لا جدوى فى الصقيع القارص. (و هن بذلك كن يعرضن معدات بالغة الأهمية لمخاطر جمة.) ناهيك عن أن البنات أصبحن يعشن فى المدن الجامعية بعيداً عن رقابة جداتهن، مما يعرض مستقبل الجنس البشري بأكمله للفناء. و كانت البابوشكا إذا تحدثت مع بنت لا تعرفها عن هذه الأمور الهامة، قهقهت الفتاة ثم جرت فى حال سبيلها بجونلتها القصيرة، مما يرسخ عند البابوشكا اليقين بأن البشرية قد إنتهى أمرها، و لم يبق إلا أن تقل عليها السلام.

مقابل ذلك كانت للبابوشكات فوائد جمة لا شك فيها. فالنساء فى الإتحاد السوڤييتى كن يخرجن على المعاش فى سن ٥٥، و كن يتولين رعاية الأحفاد بدلاً من إدخالهم دور حضانة. صحيح أن المرأة بعد الولادة كانت تحصل على أجازة ٣ شهور بمرتب كامل، ثم سنة أخرى بدون مرتب؛ لكن وجود بابوشكا فى المنزل أو فى مكان قريب كان ميزة لا تقدر بثمن.

هذا عن البابوشكات (مع قدر من الفكاهة الحسنة النية.) أما وضع المرأة عموماً فى الإتحاد السوڤييتى عندما وصلنا إلى هناك فى منتصف القرن الماضى فقد كان مذهلاً لنا كمصريين جاءوا من مجتمع ذكوري قح. كان كل الأطباء تقريباً من النساء، و كذلك كل معلمى المدارس، و كمسارية الترام و الأوتوبيس، و نسبة عالية من السائقين … إلخ. لم تكن النسبة بين أعضاء هيئة التدريس فى الجامعة مرتفعة بنفس القدر، لا سيما فى درجة أستاذ. لكن كان هناك عدد كبير من النساء بدرجة مدرس و أستاذ-مساعد، حتى فى المعاهد الهندسية.

لم أسمع عن مشاكل سببها هذا لأي من الزملاء المصريين. لكنى أذكر واقعة كان “بطلها” طالب دراسات عليا جاء من الهند، (لا أذكر إسمه فقد كان منظره من البداية لا يبشر بالخير.) عندما عرف ذلك التعيس أن المشرف على رسالته ستكون إمرأة، رفض قطعياً و طلب أن يكون المشرف عليه رجلاً. وضع ذلك إدارة المعهد فى موقف صعب، فإذا رضخوا لمطالب ذلك الديناصور، ستكون تلك سابقة لا يعلم أحد تداعياتها. لا أعرف كيف حلوا المعضلة، لكن ذلك “المهراجا” إختفى من الصورة فجأة كما ظهر. (ربما حولوه إلى معهد آخر أو أرجعوه إلى بلده.)

لا أعنى بهذا أي تشهير بالزملاء الهنود، فمقابل ذلك المتعوس كان هناك زملاء ممتازون ما زلت أتذكر أسماءهم حتى الآن، مثل Alluraya الذى كان من أندرا پرادش، و Bisvanat الذى كان من بومباي. كلاهما كانا على درجة من التحضر و الرقي لا تقل عن أي شخص آخر عرفته على مدى العقود.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫17 تعليقات

  1. نجيب محفوظ كانت مراياه خاصه ب محيطه الضيق و لانه انساني خرج من علاماته الي كل الدتبا

    حضرتك جئت لنا يالدنيا و التاريخ الي محيطنا

    لم أبالغ أبدًا عندما وصفت رحلة عالمكم ب انها رحله صاحب الالف عام

  2. بعض الملاحظات

    الام الكبيره الحاميه هي بقايا عصر كان المجتمع الانساني فيه Matriarchal
    و اراها داخل التنوع العرقي في الولايات المتحده
    و لا اعلم كيف كانت حياه كثير من الاسر الفقيره من الاقليه اللاتينيه او الاقليه الافريقيه الامريكيه ل تسير دونها

    طبيعتها موجوده حتي في الفن الروسي القروي ( عرائس الماتريوشكا المتداخلة مع بعضها و كانها كتابه و علامه عن ايديه الامومه )

    بعكس العالم الغربي
    شاركت المراه الروسيه مباشره في الحرب ضد النازيه
    و لكن الطبيغه الابويه للمجتمع ايضا لم تضعها في رتب الجيش العاليه

    المشاركه في الخرب وصلت الي البقاء في المدن المحاصره
    و السيدات و البنات اللائي بقين في ليننجراد توقفت عن الحيض من شده الهزال و سوء التغذيه و الفزع

    الان بطلات روسيا مممن تسلمهم الدوله ميداليات انجاز هن الاكثر انجابا
    بالنظر الي استمرار نتائج الانهيار الديموجرافي في غرب روسيا حتي الان منذ وقت تسويته بالارض و احراقه في الحرب العالميه الثانيه

    مع هذا ( الروح الشرقيه ) مازالت موجوده في التعامل معها
    و ووصف مثل
    فلانه الفلانيه سائقه اتوبيس
    يستخدم كنايه عن الابتعاد عن خصال الانوثه
    و سمعته من روسيه
    و من تشيكي في وصف روسيه لم تستجب لمبادراته..:)
    و من مصري يصف حياته اثناء دراسته في الجامعه هناك

    المراه الروسيه و في الاجناس السلافية جميله للغايه
    و لكن الصوره التي كانت ترسم لها دائما في اعلام الخرب البارده هي صوره المسترجله
    وجه اخر ل هذا
    الاسماء السلافية التقليديه للفتيات و النساء و التي كانت تعرف بها البطلات الرياضيات و رائدات الفضاء اصيحت تعرف بها العاهرات !!!!

    في بدايه الفتره الشيوعيه اقترحت روزا لوكسمبورج الشيوعيه الالمانيه علي لينين ان تمنح الدوله الجديده الحريه الجنسيه الكامله للمراه
    و كان رده طريفا
    الكوب الذي يشرب منه اكثر من طرف واحد سيكون متسخا

    حدثت تجارب في البدايه ل قيام الدوله ب تربيه الاطفال عند ولادتهم
    و تم التراجع عنها بسرعه

  3. كلام جميل كعادتك يافريد، ذكّرني بأول ملاحظاتي عن ال”بابوشكا” الأولي التي أبهرتني: كان ذلك في سنة “أولى” كلية الفيزياء/جامعة موسكو، في استراحة ال10 دقائق بين ساعتيّ محاضرة عضو الأكاديمية السوفييتية البروف. إيلين، كان متوجها إلى مكان التدخين المزود ب”طفايات” ضخمة، استوقفه أحدهم لثواني، أشعل سيجارته على بعد أمتار من الموقع المقصود، فإذا بالبابوشكا عاملة النظافة تصرخ متهمة إياه بالتسيب وعدم احترام القواعد، ظننت أنها وقعت أمر إنهاء عملها، فإذا به (إيلين/ العملاق الرهيب بالنسبة لنا ولكل أعضاء قِسمه) يعتذر لها بصدق!

  4. Thank you Sir for the Enlightenment about life in Soviet Union, I got some knowledge from the Russian Films we were watching in Cinema Odion of Sov Export Film or the Soviet Cultural Center in Dokki, But it was not revealing those wonderful details, Later I watched in Netflix a Movie like what you are telling us, Really studying abroad for long period was giving enough exposure to the society, its values and traditions, Have a lovely day and please keep writing.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى