كتّاب

مظاهر البهجة الرمضانية…


مظاهر البهجة الرمضانية
مصرية وليست فاطمية:

لا أعرف لماذا يصر بعض مثقفينا ومؤرخيناعلى نسبة مظاهر البهجة وخاصة “فانوس رمضان” وكحك وقرص عيد الفطر للفاطميين بقولهم: “أن المصريين خرجوا لاستقبال المعز لدين الله حاملين الفوانيس وهو يدخل القاهرة، ليلا وكنا فى رمضان” وهو ماتكذبه الوقائع والحس التاريخى، إذ مالذى يجبر فاتحا كبيرا يأت من على بعد مسيرة شهور، ويطلب من رجاله بناء قصر او دار ضيافة له على رأس كل مرحلة فى رحلته من تونس للقاهرة، ويصطحب معه آلاف مؤلفة من أهله وعشيرته وخاصته وخدمه وجنوده فضلا عن ثروته وممتلكاته ورفات أجداده على دخول القاهرة ليلا، وأى فوانيس وغناء سيكون مفهوما وذا بال فى مواجهة هذا الزخم وأصحاب الرطانة واللهجة الغريبة، وهل كانت القاهرة والتى مازالت فى طور الإنشاء تضم مصريين أم انها كانت مجرد مدينة للجند وقبائلهم المحاربة كزويلة وأهل برقة “البرقية”، وهل كان الفاطميين قد ارسلوا من يعلم الناس صناعة الفوانيس وإنشاد الأناشيد”
لقد دخل المعز لدين الله القاهرة كأى غاز فاتح وكل ماهنالك أن الناس قد استبشروا خيرا بقدومه بعد فترة من الاضطراب، والمجاعة بسبب جفاف النيل فى نهاية دولة الإخشيد ، والهجوم الضارى للقرامطة على أطراف البلاد، ومع هذا فقد وقف “المعز”على المنبر ممسكا بصرة من الأموال الذهبية وسيفه، قائلا لمن يتساءل عن حسبه ونسبه: هذا حسبي وأشار إلى السيف، وهذا نسبي وأشار إلى الأموال، فصارت “سيف المعز وذهبه” مثلا فى التاريخ والثقافة، ولنا أن نتخيل موكبا رهيبا للخليفة تسير فيه الفيلة والخيالة وعشرات من الجنود العراة السود وعشرات من المشاعلية على أنغام الطبول،
… أما الفوانيس فهى بالتأكيد ابتكار مصرى قديم منذ عصر ماقبل التاريخ ولندرة الحديد والزجاج فقد صنع من الفخار، بيد وفتحتين واحدة لوضع الزيت والثانية لوضع فتيل من ألياف الكتان لإشعال النار، وكان النور ذو قيمة هائلة فى العقيدة المصرية، ويذكر هيرودوت عيدا لدى المصريين يسمى “عيد المصابيح” وأكدت على النور المسيحية بآيات مقدسة: الله نور العالم.. وأنتم نور العالم، وأكد عليه القرآن أيضا: الله نور السموات والأرض.. ومثل نوره كمشكاه.. ولذلك فقد احتفي المصريين بالمصباح وسموا أولادهم: منير ونور ونورا وعبد النور وأبو النور.. وسمى المسيحيين خاصة “فانوس”، وقد حمل المصريين فوانيسهم وخرجوا يستقبلوا الملكة المظفرة “إياح حتب” أو “إيوحة” بعد الانتصار على الهكسوس، وهم يغنون: وحوى يا وحوى إيوحة .. أى مرحب ياقمر
.. أما الكحك والقرص وبقية اصناف الحلوى، فتذكر كثير من المصادر أن المصريون القدماء عرفوا نحو “أربعين” نوعا من الخبز العادى والمحلى والمضاف اليه مختلف انواع الفواكة والحبوب والبهارات وهو ما استمر معنا لوقتنا هذا، طبعا ولا شك ان الشرائط الدائرية التى نصنعها بالمناقيش على اسطح القرص والكحك الى قرص الشمس الأتونى واشعته، مع عدم إغفال قدرة الثقافة المصرية على الاستفادة من الثقافات الوافدة غربية أو شامية فى تطوير خبزها وأطعمتها،
.. أما التماثيل كحصان وعروسة المولد فهى أيضا مصرية قديمة وكانت نماذج لتماثيل اوزوريس يطوف بها الناس فى موالده المختلفة ثم تستقر فى البيوت بعدها مصدرا للبركة، وكبار السن مثلى يتذكرون فى طفولتهم كيف كنا نتحرق شوقا للحصول “بقزازة” على تمثال ل”شكوكو وسميحة” عندما ينادى عليهم
هذه هى أصول البهجة المصرية التى استفاد منها الفاطميين فى حكمهم للبلاد، والتى ذكرها المؤرخون المعاصرين كالمقريزى وابن أياس وابن تغر بردى وغيرهم دون أن يسعوا للبحث عن جذورها المصرية لكراهية دفينة لحضارة وثنية قديمة كما يتصوروا وكما قدمت لهم فى الكتب المقدسة، وعدم قدرتهم على قراءة نصوص المصريين فى لغاتهم أو لغات عاصرتهم، وأخير فمن حقنا أن نتسائل من أين يأتى الفاطميين فى مصر بتلك الثقافة فلا شك أنها لو كانت من تونس بالتحديد التى حكموها نحو ستين سنة قبل فتحهم لمصر، لكانت مازالت مظاهر ثقافية رمضانية هناك ولكنها ليست كذلك، ولو كانت فاطمية أصيلة تعود للأصول العربية للفاطميين لوجدناها فى البلاد التى حكمها الفاطميين أو رحلوا إليها.
.. وفى النهاية فقد حكم الفاطميين مصر لقرنين من الزمان- 969-1171، وانتهى حكمهم على يد صلاح الدين الأيوبى، فرحل منهم من رحل لليمن والهند وايران والعراق، وذاب منهم فى الشعب من قرر البقاء
وبقيت مصر باحتفالاتها ورموزها وبهجتها
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى