كتّاب

مصر والخلافة التركية العثمانية…


مصر والخلافة التركية العثمانية
دخل العثمانيون الاتراك مصر، فى شتاء1517، بعد ان هزموا جيش المماليك وقد انهكته الحرب ضد البرتغاليين الذين اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح وسلبوا مصر موردا اقتصاديا كبيرا كطريق برى لقوافل التجارة بين آسيا وافريقيا الى اوروبا، المهم دخل الاتراك مصر وهى بلا جيش كبير يحميها بعد كسرته بعيدا فى شمال سورية، وبعدهزيمة طومان باى فى الريدانية أعملوا فى أهلها السيف، واستباحوا القاهرة والاستباحة هنا تعنى حق الجنود الغالبين فى الاستيلاء على كل مايقدرون عليه من اموال واعراض وارواح، وبعد شهور من حرب العصابات قادها ببسالة السلطان الاخير طومان باى اقتيد مقيدا الى باب زويلة ليتقدم الى المشنقة المعلقة بثبات طالبا من المارة ان يقرأوا له الفاتحة، وبعدها طاب المقام لسليم الاول السلطان الغازى وبهرته القاهرة ونفائسها وبدائعها فأمر جنده بالاستيلاء على ثلاثة آلاف من مهرة حرفييها وصناعها: بنائين، ونقاشين، ورخامين ونجارين ومبلطين ومبيضين وصاغه ونحاسين ومكفتين، وحدادين وزجاجين وخياطين ونساجين وصباغين ووراقين وخطاطين ومجلدين، ومذهبين وسروجية وشمعيين… وغيرهم كثير واخذهم اسرى الى عاصمته “استانبول” ليعمروها كالقاهرة، رغم انها ظلت قرونا حاضرة للدولة البيزنطية العريقة، وأخذ سليم معه آلاف من الجمال المحملة بالأبواب والشبابيك والمشربيات والأحجار الكريمة والذهب والفضة والنحاس وكل ماتمكن من نهبة من بيوت وجوامع ودكاكين القاهرة، ومع الاسرى من الحرفيين اخذ سليم الاول معه، خليفة المسلمين العباسى “المتوكل” ليتنازل له عن الخلافة نظير رشوة كبيرة، رغم انه كان خليفة شكليا يؤدبه السلطان المملوكى ويمنع عنه المصروف ويحرمه من الخروج من باب بيته، فضلا عن انه لم يكن هناك دليل على انتماء جده الأعلى المستنصر بالله اول الخلفاء العباسيين فى مصر الى الخليفة المستعصم آخر خلفاء بغداد والذى قتله التتار 1258
وانما كان استخلافه مجرد وسيلة سعى بها السلطان بيبرس الى اضفاء شرعية مزعومة على حكم المماليك الفتى، وعاشت الخلافة قرونا فى تركيا يحملها سلاطين آل عثمان لتبرر كل جرائمهم ونهبهم ومذابحهم للناس وللمسلمين منهم خاصة
فالسلطان يخشى من مؤامرات اخوته عليه فيستصدر فتوى تبيح له قتل اخوته جميعا، ثم يستبدل القتل بالاقفاص التى يحبسون فيه طول عمرهم فيما سمى “باقفاص السلاطين”
ويرسل ولاته الحمقى والجهلة الى البلاد، ومنها مصر ليعيثوا فيها فسادا بلا رقيب ولا رحمة ولا مبادئ من هدى دين حنيف، لايهم السلطان القابع فى اسطنبول الا نصيبه من خراج البلاد وثروتها، وليفعل واليه بالبلاد والعباد ماشاء وشاءت اطماعه، يقص استاذنا الراحل: عبد الرحيم عبد الرحمن فى كتابه “الريف المصرى فى القرن الثامن عشر” كيف كان احد الولاة العثمانيين ينزل من القلعة لتحصيل الاموال فلا يعود مساءا الا وقد تحول لون حصانه الابيض الى لون الدم الاحمر لكثرة ما سفك من دماء وقتل من انفس، ووال آخر سيقت اليه أمرأة تأخرت عن دفع ماعليها من مظالم، وتحمل على يديها ولديها الصغيرين، الذين انتزعهم الوالى ووضعهم فى جوال على ظهر الدواب حتى تعود المرأة بما عليها من مال، وعندما عادت ودفعت ماعليها، اخرج الوالى الطفلين فوجدهم مخنوقين موتى، فرماهم على الأرض ومضى فى طريقه وصوات الام المكلومة يشق الفضاء
ولم يهتم الولاة – نواب الخليفة – الا بسلب اقصى ما يستطيعون من اموال، حتى اضطر الفلاحون الى هجر قراهم فبارت الارض وطمرت الترع واقفرت القرى عن سكانها
وعاثت الاوبئة والطواعين فى البلاد الى الحد الذى يقول فيه ابن اياس: كان الناس يتساقطون موتى امام الدكاكين وتحت البيوت وكان فى كل حارة صفان من النعوش احدهم قادم من المقابر، وآخر حاملا الموتى فى الطريق اليها، وكانت تركة الميت توزع فى اليوم الواحد ست مرات، وكان الميت يموت فلا يجد مشيعا
وللاهمال والقذارة وعدم العناية انتشر فى القاهرة المسلولين والمشلولين والمجذومين والعميان
ومع كل هذا لم يكن غريبا أن ينخفض سكان مصر بعد نحو ثلاثة قرون من الحكم العثمانى من ثمانية مليون انسان الى نحو اثنين ونصف مليون فقط، وان ينخفض سكان المحروسة القاهرة من نحو اثنين مليون الى ثلاثمائة الف انسان ومن يقرأ “السائرون نياما” لسعد مكاوى سيعيش من قرب تلك الفترة
ذلك هو حصاد الخلافة التركية العثمانية التى يفاخرنا بها “اردوغان” فليأخذ تاريخ اجداده الاتراك الرعاة ويفاخر به غيرنا… فهنا مصر

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى