كتّاب

مصر لم تعرف الحجاب والخمار والإسدال والنقاب…


مصر لم تعرف الحجاب والخمار والإسدال والنقاب
إلا مع الغزوة البدوية الصحراوية الوهابية فى مطلع السبعينيات
الذى عاش مثلى وانتقل بين الريف والمدينة يعرف تماما أن هذه المصطلحات التى عنونت بها هذا المقال لم يعرفها المصريون كأزياء للمرأة إلا منذ خمسين عاما، فالحجاب فى ثقافتنا المصرية تعنى “تعويذه” يكتبها عارف تحتوى رموز وآيات توضع فى كيس قماش صغير للطفل الغالى تحت ملابسه “لتحجبه” عن الحسد والإيذاء، ويقول محمد قنديل من كلمات عبد الفتاح مصطفى: “سحب رمشه ورد الباب كحيل الاهداب.. نسيت أعمل لقلبى “حجاب” يقصد هنا حجاب يقى ويحفظ قلبه عن ماناله من صاحب الأهداب الكحيلة، كما يقول ماهر العطار: “وعملت حجاب لهوى الأحباب.. ولا تاب قلبى”
أما الخمار فقد كانت أيضا كلمة لايعرفها المصريين ولا يستخدموها بأى شكل، ولم أعرفها أنا ربما إلا فى تسعينيات القرن الماضى عندما قارنت زميلة لى بشكل عملى بين موظفات قائلة: هذه ترتدى حجاب ويقصد به – كما ترى – تغطية الشعر فقط وقد تكون صاحبته ترتدى ضيقا او بنطلونا وبلوزة، أما هذه فترتدى “خمار” وهو إيشارب كبير مقفول يغطى الشعر والرقبة ويخفى معالم الصدر ليصل إلى منتصف الجسم ثم يليه بقية الثوب الواسع، ثم دخلنا فى زمن الإسدال والذى يعنى عباءة هائلة واسعة تخفى تحتها أى معالم للجسم، ثم تبعهم النقاب وهى الكلمة التى لم يعرفها المصريين أيضا بأى شكل من الأشكال، والذى يعنى إخفاء الجسم والوجه ماعدا العينين وتبعهم جوانتى اسود
فماذا كانت ترتدى المصريات؟ ..
فى الريف كانت ترتدى للخروج والمشاوير “الجلابية” السوداء، وتغطى شعرها “بتربيعة” أو منديل قد تكون حوافه مشغولة ب”أوية” من الخرز أو الزهور الملونة تبرز جمال الوجه ولا تخفيه، ينسدل من تحتها ضفيرة أو ضفيرتين ويغطى هذا كله طرحة خفيفة وشفافة وجميلة، وغالبا ما تكون الجلابية ب”سُفرة” على الصدر، وطبعا لا يعنى المرأة هنا مساحة ما يظهر من جبهتها او خديها أو ذقنها أو رقبتها، وهو مايدبج فيه أبناء “الصحوة الإسلامية” المقالات، أما فى البيت فالجلباب يكون ملونا وخفيفا
كانت هذه ملابس الريفيات الأميات، أما تعلمت الفتاة ودخلت المدارس فيصبح من حقها ان ترتدى الفساتين بأنواعها والجيب والبلوزة والبنطلون
أما إذا انتقلنا للمدينة فلم تكن تلك المصطلحات التى أشرت إليها أيضا معروفة ولا مستخدمة، وكانت النساء ترتدى فى البيوت والبلكونات الجلاليب نصف كم او جابونيز، أو بيجامة، وبنات الطبقة الوسطى يخرجن واضعات الملاءة اللف على الجلابية الخفيفة والبسيطة والمكشوفة، أما الأثرياء فيخرجن مرتديات التايير او جيبة وبلوزة أو الفستان الذى قد يكون طويلا او قصير
وعرفت بناتنا فى الخمسينيات من القرن الماضى “البنطلون” وفى الستينيات “الشانيل والمينى جيب ثم الميكروجيب”.. كل هذا رغم اننا لدينا الأزهر ذو الألف عام ويزيد، والأوقاف والشيوخ والمساجد.. لكن كان هذا طبيعة استقبال مصر الزراعية المتحضرة للإسلام، وكانت متابعة مودة قصات الشعر ومودة الملابس من الممارسات الدائمة فى بيوت الناس فى مصر، تشجعها “مجلة حواء” بإهداء “باترونات” ملابس المودة لمشتريها، وشبابنا اليوم يتعجبون من صور أمهاتهم بقصات شعورهم والبنطلون والبلوزة فى الخمسينات والستينات
والأرشيف الثرى للسينما المصرية يؤكد كل ماذهبت إليه
أما “البيشة واليشمك والبرقع” فهى اسماء مملوكية وتركية عرفتها النساء فقط فى قصور الطبقات الثرية والحكام، ولم يكن خلع هدى شعراوى لذلك البرقع أثناء مظاهرات ثورة 1919، قضية دينية وإنما كان رمزا للتحرر من الحرملك التركى المتواطئ مع الاستعمار البريطانى
هذا عن الملبس، فماذا عن الحياة؟
فى الحياة المصرية كان لابد أن تذهب المرأة والفتاة فى الريف وفى المدينة “للغيط” وللترعة وللسوق وللمصنع وللوظيفة، وتركب المواصلات العامة، لتؤدى ماعليها من واجب تجاه أسرتها من عمل ووظيفة وجلب الماء وبيع وشراء، فتقابل الرجال وتجاورهم وتصافحهم وتفاوضهم وتبيع لهم أو تشترى منهم، وساهمت ثورة يوليو بما صحبها من تنمية ومجانية التعليم وتعظيم الدور السياسى للمراة فى انعتاق المراة المصرية من الملابس التركية كما اختفى الطربوش، ولدينا مصداق لذلك الأرشيف الحى لحفلات ام كلثوم وفريد وعبد الحليم وصور فتيات الجامعة ..فهل كان يستطيع أحدهم أن يقول هنا: أن خروج المرأة من بيتها جاهلية أو أن صوت المرأة عورة أو أن كشف وجهها إثم أو أن مصافحة الرجال حرام

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى