مزيد من الأفكار عن الفن والأدب…


مزيد من الأفكار عن الفن والأدب

هناك وجهة نظر تقول إن تذوق المنتوج الفنى لا يستلزم فهمه. لن أتسرع بالموافقة أو الإعتراض قبل أن نلقى نظرة تحليلية على طبيعة الفنون لعلنا نستدل من ذلك على إجابة. فى سلسلة ‘جولة فى تاريخ البشرية’ ذكرت تعريفاًً للفن بأنه “كل عمل خلاق له جانب جمالي أو تعبيري وليس ضرورياً للبقاء.” وما زلت ملتزما بذلك التعريف المقتضب، لكن هذه فرصة طيبة لأن نتوسع فيه قليلاً –

الفن هو منتوج بشري خلاق له الخواص الآتية:
1. ليس أي شخص قادر على إنتاجه، بل يتطلب موهبة خاصة.
2. يُثير فى المستقبِل (المُشاهد أو القارئ أو المستمع) مشاعر معينة يقصدها الفنان – طرب، سعادة، غضب، حماس … إلخ.
3. له قيمة جمالية. (القمامة، مثلاً، قد تثير فى الناظر مشاعر، لكن ذلك لا يجعلها نوعاً من الفنون.)
4. ليس وليد الصدفة. (فرع من شجرة بلوط، مثلاً، قد يثير المشاعر وله قيمة جمالية، لكنه ليس عملاً فنياً لأنه ليس منتوجاً بشرياً يعبّر عن مشاعر فنان.)
5. ليس ضرورياً للبقاء. (كوخ فى ريف پروڤانس قد يبدو ساحراً، لكن من بناه لم يكن يقصد سوى ملجأ من العواصف، فهو ليس عملاً فنياً.)

تنقسم الأعمال الخلاقة بشتى أنواعها إلى ٣ مجالات:
1. فنون الأداء – هذه تشمل الأعمال الفنية التى يجرى خلقها كل مرة من جديد، ولا يمكن إقتناؤها وتداولها. فنون الأداء تشمل الموسيقى و الغناء والرقص والمسرح، و كذلك العروض التى تضم عدداً من هذه العناصر (مثل الأوپرا والباليه.)
2. الفنون التشكيلية – هذه تشمل الفنون الجميلة (الرسم والنحت) و الفنون التطبيقية (المعمار والديكور والتصميم الصناعي وتصميم الحدائق.) والفارق الأساسي بين الفنون التطبيقية والفنون الجميلة هو أن منتوج الفنون الجميلة هو أصل واحد يمكن إقتناؤه وتداوله. أما منتوج الفن التطبيقى فتوجد منه نسخ متعددة.
3. الأدب، وهو ينقسم بدوره إلى قسمين –
– النثر (ويشمل القصة القصيرة و الرواية والنثر غير الروائي)
– الشِعر (poetry)

الفنون كلها تخاطب الوجدان، و كل نوع من الفنون له لغته التى يتواصل بها مع جمهوره. لغة الأدب هي اللغة البشرية المنطوقة، و لغة الموسيقى هي الأصوات المجردة، و لغة الفن التشكيلي هي الأشكال والألوان.
* الأدب يستعمل الكلمات والجُمَل لتكوين مشاهد و مواقف و مشاعر يؤثر بها على وجدان القارئ. وبدون فهم معانى الكلمات والجُمَل لا يمكن إستيعاب العمل الأدبي.
* لغة الموسيقى هي أصوات مجردة لا تحمل أية معانى مصطلح عليها. مفردات اللغة الموسيقية هي الألحان و الإيقاعات، وحروفها هي النغمات (دو – رى- مى … )، و قواعد نحوِها هي المقامات. وتخاطب الموسيقى وجدان المستمع مباشرة دون أن يترجمها مخه إلى مشاهد أو معانى أو أفكار.
* لغة الفن التشكيلي مفرداتها الخطوط والألوان والظلال، وقواعدها تختص بتكوين الأشكال (composition)، وتناسق وتنافر وتكامل الألوان، وتوازن القِيَم (أي الظلال.) فى أغلب الأحيان يخاطبنا الفنان التشكيلي عن طريق خلق مشهد له معنى، وفى أحيان أخرى (أقل إنتشارا) يستعمل الرسام أشكالاً لا معنى لها لمخاطبة الوجدان مباشرة (كما فى حالة الرسم التجريدى، وهو إتجاه لم يظهر إلا حديثاً ولم يلقى إنتشاراً واسعاً.)

الأدب والفن التشكيلى (بإستثناء الرسم التجريدى) يخاطبان الوجدان عن طريق المخ. لذلك لا يمكن إستيعاب أيهما دون فهم ما نقرأه أو نراه. أما الموسيقى والرسم التجريدى فلا يستعملان مفردات لها معانى، لذلك لا محل لمحاولة فهمهما عقلانياً.

ماذا عن الشِعر؟ الشِعر هو أدب ممزوج بالموسيقى. هو يخاطب الوجدان عن طريق العقل مثل النثر، وفى نفس الوقت يخاطبه مباشرة مثل الموسيقى. لكن الجزءان متلازمان، بمعنى أنك لو سمعت شعراً بلغة لا تفهمها، فلن تؤثر عليك موسيقاه مهما كانت عظيمة.

هذه إجابة (ولم أقل “الإجابة”) على السؤال الذى بدأت به هذا المقال. وهي إجابة تحتمل النقاش والتمحيص، وهناك بين الأصدقاء من هم مؤهلون وقادرون على التصحيح حيث يلزم التصحيح.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version