كتّاب

مروان الغفوري | اليوم، أو أمس، استقبلنا فارين من الحرب العالمية الثانية

اليوم، أو أمس، استقبلنا فارين من الحرب العالمية الثانية وصلوا للتو. كانوا كهولاً وشيوخاً طاعنين تركوا الحرب خلفهم وجاؤوا يركضون. مثل الأيام الأولى للحرب لم تبدو على وجوههم سوى أمارات هلع قليلة. فتحنا لهم طاروداً كبيراً وعشرات الغرف، أعطيناهم الأسرة والطعام، زودناهم بالمياه النظيفة، ثم جلسنا معهم نضاحكهم ونحدثهم عن الماضي. ولما ملّوا من الحديث عن ماضيهم رحنا نحدثهم عن ماضينا.

قامت السلطات بإخلاء دار للمسنّين قريب من مكان وجدت فيه قنبلة من آثار تلك الحرب.

وقبل شهرين فرّت ابنتي من الحرب، من الحرب العالمية الثانية. فرّ معها التلاميذ، وأغلقت المدرسة، وتعالا صياح الأمهات اللاتي لا يملكن موبايلات. حضرت السيارات العملاقة وأنظمة الإطفاء، وكان الحرّاس يلهثون ويتذكرون.

قال الناس الكبار إن قنبلة من قنابل تلك الحرب شوهدت قريباً من المدرسة ولا بد من الفرار.

وقبل عام غادرنا منزلنا وذهبنا نركض. كان الناس يركضون مثلنا. ومثل تلك الأيام بحثنا عن ملجأ آمن، وكانت الكنائس تلوح في الأفق. كنت أركض فاراً من الحرب كما فعل الأتراك والفرنسيون. كنت الأسمر الوحيد الذي علق في حرب الرجال البيض بعد مائة عام على انقضائها.

فقد أخبرونا بأن علينا أن نغادر منازلنا ريثما يزيلون قنبلة ألقاها الإنجليز على ألمانيا في تلك الأيام.

منذ سنوات ونحن نهرب من الحرب العالمية الثانية. وفيما يبدو سنواصل الهرب منها إلى أن تفسد الطبيعة آخر القنابل.

لم يكن ليخطر لي على بال وأنا في قرية صغيرة في الجزء المنسي من جزيرة العرب أن انخرط في الحرب العالمية الثانية،

وإن على مستوى مسامرة الكهول الفارين، والاختباء من قنابل الإنجليز الصدئة.

م.غ.

مروان الغفوري | كاتب يمني

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى