توعية وتثقيف

محمد علي باشا…


محمد علي باشا

أرسل السلطان العثمانى سليم الثالث أحد أفضل جنرالاته – محمد علي – لإستعادة السيطرة على مصر بعد إنهيار الحملة الناپليونية. نظر محمد علي حوله وخطر له ما خطر لأحمد إبن طولون و لصلاح الدين أيوب من قبله – لماذا لا آخذ هذه “البقرة الحلوب” لنفسى وأورثها لأولادى، و “طظ” فى السلطان الذى أرسلنى؟

كان محمد علي جزءاً من المنظومة ويعرف فى قرارة نفسه أن السلطان لا هو خليفة ولا مندوب الله على الأرض ولا هم يحزنون، وإنما الحكاية كلها نهب وسلب و بلطجة. لذلك كان شعوره طبيعياً ولا غبار عليه؛ وقد عبر عنه عمرو بن العاص نفسه قبل ذلك بأكثر من ألف سنة عندما قال ما معناه: “أيصح أن أمسك أنا بقرون البقرة ثم أدع غيرى يحلبها؟”

لكن محمد علي كان أيضاً رجلاً واقعياً، و مستوعباً للمقولة المصرية “علشان ما نعلى …، لازم نطاطى ….” لذلك تظاهر بالولاء للسلطان العثماني بينما شرع فى بناء قوة عسكرية تمكنه من الصمود للضغوط التى كان يعلم أنها قادمة لا محالة. هذا هو السبب وراء البعثات التى أرسلها إلى أوربا. لم تكن تلك البعثات من أجل ترقية فلاحى مصر، بل من أجل بناء جيش وأسطول كفيلين بردع السلطان العثمانى عن محاولة إسترداد “البقرة الحلوب.”

وبالفعل وصلت الرسالة – مقابل تظاهر محمد على بالولاء، تظاهر السلطان بأن إستجابته لمطالب محمد علي هي من كرم أخلاقه وليست رضوخاً للأمر الواقع. إعترف السلطان بحق محمد علي فى الولاية على مصر مدى الحياة ثم توريثها لنسله من بعده، بشرط أن يستمر فى إرسال الخراج السنوى للآستانه. ولم يمانع محمد علي، فالخراج ليس خارجاً من جيبه بل من عرق ودماء الفلاحين المصريين المساكين. وفى وقت لاحق منح الباب العالي نسل محمد علي لقباً إبتكره لهم مخصوص، وهو لقب “خديوي”، حتى يميزهم عن غيرهم من الولاة الذين يعَيّنهم السلطان ويخلعهم بجرة قلم. و إستمر هذا الوضع حتى أنهاه الإنجليز بأخذ مصر تحت الحماية البريطانية، و تحويل أحفاد محمد على من خدمة الآستانة إلى خدمة لندن.

هذا هو أصل أسرة محمد على التى ربونا على تمجيدها، وأوهمونا أنهم كانوا يحكمون من أجل الشعب، ويرسلون البعثات من أجل رفعة مصر و رقيها. كلام فارغ و دخان فى الهواء ! حفيد محمد على، إسماعيل، ( وهو ربما أحسنهم،) أرسل الآلاف من أولئك الفلاحين لكي يموتوا فى المكسيك فى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، (لمجرد أن ملك فرنسا طلب منه ذلك،) ولم يعد من أولئك المساكين إلى بلده نفر واحد يوحد الله. ثم أرسل مئات الآلاف ليحفروا قناة فى الصحراء يملكها الأجانب فى نظام سخرة وحشي. ومات من أولئك أكثر من الذين ماتوا فى المكسيك. فى النهاية رهن إسماعيل مصر بما فيها وبمن فيها للأجانب سداداً للديون التى تراكمت نتيجة لبذخه وسذاجته وسوء إدارته. (و إسماعيل هذا كان أحسنهم.)

مع صحة كل ما ذكرته، لا بد، إحقاقاً للحق، أن أقر بأن حكم محمد علي وإسماعيل كان، فى محصلته، خطوة إلى الأمام، فما سبقهم كان ألعن وأضل سبيلاً.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫8 تعليقات

  1. مع وافر احترامي وتقديري لاستاذي الفاضل
    من اين اتيت بمقولة عمرو ابن العاص
    إن بمسكن قرون البقره والاخرين ياخذون لبنها
    هل كان الفتح الإسلامي لمصر غزوا بربريرا
    ام كان لإعلان إن الله واحد احد الشريك له
    وان محمدا عبده ورسوله وتخليص نصاري مصر من الظلم

  2. هناك تحامل شديد على محمد علي و أسرته و تقليل من حجم إنجازاتهم في النهوض بمصر على كافة الأصعدة بالاضافة للتشكيك في نواياهم و لكن كتب التاريخ نقلت لنا صورة مغايرة عن أسرة ملكية ذات اصول ألبانية و لكنها تمصرت و لم تعد تعرف لها وطنا غير مصر حتى أن إبراهيم باشا قال (أنا لست تركيًا فقد جئت إلى مصر صبياً ومنذ ذلك الحين مصرتنى شمسها وغيرت من دمى فجعلته دماً عربياً)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى