توعية وتثقيف

مأساة مصرية قديمة (٤)…


مأساة مصرية قديمة (٤)

إرتكب الملك سوپيلوليوماً (Suppiluliuma) غلطة شنعاء أودت بحياة إبنه الرابع زنّانزا (Zannanza)، وفى النهاية أودت بحياته هو شخصياً. وهذا هو موضوع هذه الحلقة الأخيرة من سلسلة المقالات عن الحادثة المأساوية التى سماها الحثيون “حادثة زناّنزا” (وصمت عنها المصريون.)

إقتنع الملك سوپيلوليوماً، (أو أقنع نفسه،) بأن البلاط الفرعونى موالى لأرملة الفرعون الراحل ومتقبل لفكرة زواجها من أمير حثي. لذلك جهز إبنه الرابع زنّانزا بوفد تشريفي وحراسة خفيفة، وأرسله محملاً بالهدايا فى طريقه إلى مصر. فى مكان ما فى فلسطين هجمت على الأمير وأصحابه قوة مجهولة وأبادتهم عن آخرهم. كانت العملية على مستوى عالى من الحرفية، حيث تأكد المهاجمون من عدم نجاة “مملوك شارد” واحد ليكشف فيما بعد عن طبيعة ما حدث.

نفى المصريون معرفتهم بأي شيئ عن مصرع زنّانزا. لكن الملك سوپيليولوما لم يقتنع، وأعلن عن نيته فى الإنتقام لموت إبنه. فى هذا الوقت بالذات بدأت مراسم تنصيب عاي فرعوناً على مصر وزواجه من الأرملة الصبية عنخ-صن-آمون (التى كانت فى سن أحفاده.) و عثر علماء الحفريات فى حتوسا على بقايا رسالة من عاي إلى سوپيلوليوما تحذره من الهجوم على مصر.

كتب الملك مورسيلى الثانى (إبن سوپيلوليوماً،) أن والده حزن حزناً شديداً على مصرع زنّانزا، وأصبح مقتنعاً تماماً بأن الموضوع من أوله لآخره كان مؤامرة مصرية، وأنه وقع فى فخ نصبه له المصريون. لا يساند المنطق موقف سوپيلوليوما هذا، فلم تكن للمصريين أية مصلحة فى خلق مشاكل لا لزوم لها مع قوة عظمى فى فترة كانت مصر فيها تعانى من إضطرابات داخلية.

لكن سوپيلوليوما كان يريد الإنتقام، وكان قادراً عليه. وما أن إنتهت فترة الحداد حتى أرسل حملة عسكرية قضت على الحامية المصرية فى فلسطين. تقول السجلات الحثية إن الجيش الحثي قضى تماماً على الحامية المصرية، ولا تذكر السجلات المصرية شيئاً عن الموضوع، وهذه كانت العادة فى العالم القديم – كل طرف يسجل إنتصاراته ويتكتم على خسائره.

لكن هذه لم تكن نهاية القصة. رجعت الحملة العسكرية الحثية إلى حتوسا بعدد كبير من الأسرى المصريين. وما لبثت أن تفجرت فى حتوسا جائحة فاتكة (الراجح أنه كان الطاعون،) أودت بحياة عدد كبير من الحثيين، بما فيهم الملك سوپيلوليوماً ذاته.

إعتقد المصريون أن تلك الجائحة كانت إنتقاماً إلٓهياً من الحثيين على ما فعلوه فى فلسطين. وإعتقد الحثيون أنها كانت إنتقاماً إلٓهياً من سوپيلوليوما لمسؤوليته عن قتل أخيه قبل ٣٠ سنة فى صراع على الحكم. و هذه كانت عادة أخرى من عادات العالم القديم – الإعتقاد أن كل ما يحدث هو إنتقام إلٓهي.

حكم الفرعون عاي ٤ سنوات ثم مات، وتولى بعده حورمحب، آخر فرعون فى الأسرة ١٨. ولا يذكر أحد ما حدث للمسكينة عنخ-صن-آمون.

يعتقد المصريون أن إستغاثة عنخ-صن- آمون بالحثيين كانت مجرد حماقة من طفلة طائشة؛ أما الحثيون فإعتبروها جزءاً من مؤامرة حبكها المصريون. و المنطق لا يساند أياً من هذين الرأيين. الرأي الأرجح هو أنه كان هناك صراع فى البلاط الفرعوني، وكانت الأرملة الصبية (و ربما جدتها معها،) طرفاً فى ذلك الصراع الخفي. كثيرون من جيلى يذكرون (على سبيل المثال،) الصراع على السلطة الذى حدث بعد موت جمال عبد الناصر المفاجئ.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫5 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى