كتّابمفكرون

“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” (11)…


“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” (11)

“الأزهر والسيسي”

منذ تولي الرئيس السيسي للمسؤولية في 2013 ارتفع معدل الأعمال الإرهابية, وقادت القوات المسلحة والشرطة المدنية حربا قوية ضد المنظمات الإرهابية, راح ضحيتها الكثير من الشباب المقاتلين, والمدنيين من المسيحيين أو المسلمين علي السواء, واتجهت الأنظار نحو الأزهر, فهو الجهة المسؤولة عن ملء الفراغ العقائدي والديني, والمنوط بقيادة معركة فكرية حاسمة لمحاربة الفكر الديني المتطرف, بصفته حامل لواء الإسلام السني في العالم, والموصوف بالوسطية, وفي ذات الوقت هناك من ينظر اليه بعين الشك من المثقفين والتنويريين, لما تحويه مناهجه من أفكار متطرفة, ولما يتسم به علماؤه من المحافظة وعدم التجديد.

تجلي ذلك في توجه السيسي الي الأزهر بطريقة مباشرة يطالبه بتجديد الخطاب الديني, والتصدّي للتفسيرات المتطرّفة للدين الإسلامي, وقطع الطريق علي الأئمة المتشددين المنتشرين في بعض المساجد والتجمعات.

الّا أن الأمور سارت علي نحو يشبه العناد, واحتمي شيخ الأزهر بكبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية, فكلما طلب الرئيس طلبا, اجتمع المجلس وأصدر بيانا يكون جوهره الرفض.

بدأ الأمر أولا بتجديد الخطاب الديني, وكان مطلبا للجميع كما هو مطلب للرئيس في ذكري المولد النبوي 2015, تلقفته وسائل الإعلام, وتجاوزت حد نقد المناهج الدراسية, الي نقد الأزهر ذاته, فغضب رجال الأزهر, وخرج ممثلوه علي الشاشات يدافعون عن أنفسهم, ومناهجهم, وفكرهم, بصور بلاغية كلامية, لم تتطرق لنية التجديد, باعتبار أن الموجود صالح ومجدد, وبشعار جديد (الأزهر باق), وهو ما تسبب بصورة أو بأخرى, في إحداث شرخ في الصورة الذهنية للأزهر ورجاله في عقول المصريين.

ثم جاء ثانيا اقتراح وزير الأوقاف في يوليو 2016 بتوحيد خطبة الجمعة في جميع المساجد وأيدته مؤسسة الرئاسة في إطار الحديث عن تجديد الخطاب الديني, إلا أن هذا المقترح أشعل الخلاف بين الأزهر من جانب, والأوقاف كممثلة عن النظام من جانب أخر, فلقد اعترض شيخ الأزهر على هذا المقترح وهو ما أعتبره المحللون معارضة أزهرية للسيسي ونظامه.

ثم جاءت ثالثا مسألة الطلاق الشفوي والذي طلبه السيسي خلال كلمته في احتفالية عيد الشرطة في يناير 2017, بضرورة إصدار قانون يمنع الطلاق, إلا أمام المأذون, لإعطاء الفرصة للزوجين لمراجعة الأمر مرة أخرى, داعيا شيخ الأزهر للبحث عن حل فقهي, لتقليل حالات الطلاق المرتفعة في مصر والتي تعدت 40%, وهو أيضا ما اعترض عليه الأزهر وأصدر مجمع البحوث رفضا للفكرة, ودعا لإتخاذ التوعية الإجتماعية بديلا لذلك.

يري البعض أن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة المصرية والأزهر ليست علي ما يرام, استنادا الي تعبيرات الرئيس حيث قال في حديثه في احتفالات ليلة القدر عام 2016: “فضيلة الإمام كل ما أشوفه اقول له إنت بتعذبني … يقولّي إنت بتحبني ولا حكايتك إيه؟”, بينما في احتفالات عيد الشرطة عام 2017 وجه الحديث لشيخ الأزهر قائلا: “تعبتني يا مولانا”, رغم تأكيد الرئيس الدائم علي احترام وتقدير الأزهر.
والجدير بالذكر أنه رغم مواقف الأزهر الرافضة للتجديد الا أنه يدعّم النظام, حيث دائما ما نسمع شيخ الأزهر “الطيب” يشير الي ذلك عبر كلماته, ويتحدث عن النهضة الاقتصادية والصناعية والزراعية والمشاريع الوطنية, ويركز على قضية مطاردة الكيانات الإرهابية, وتأمين مصر في الداخل والخارج من شر هذه الكيانات.

الخاتمة:

يحاول الأزهر منذ نشأته أن يجمع بين الديني والدنيوي, بين العقيدة والسياسة, حقيقة تنزوي أحيانا, وتظهر واضحة أحيانا أخري, استنادا علي رؤية النظم السياسية, وطبيعة قياداتها, ومنذ 25 يناير 2015 والأزهر يحاول استعادة دوره المؤثر بقوة, بعد أن شهد تقويضا لعدة عقود, وهذا يقودنا الي نتيجة مفادها أن الأزهر يمثل أحد مراكز التأثير علي المسرح المصري, وعلي أصعدة مختلفة وهو ما يدفع الأنظمة الحاكمة المتعاقبة الي استخدامه.
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى