كتّابمفكرون

“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” 1…


“لمحات من التاريخ السياسي للأزهر” 1
الأزهر في عصر عبد الناصر
—————————-
في عام 1955 تقدم المفكر الكبير وعميد الأدب العربي, الدكتور طه حسين, باقتراح الي عبد الناصر من أجل إلغاء الأزهر تماما.
لقد كانت فكرة وزير المعارف السابق هي الغاء نظام (الكتّاب) والمعاهد الأزهرية, وإلغاء نظام التعليم الأزهري الابتدائي والثانوي (القليلة في ذلك الوقت), ودمجها في النظام التعليمي العام, وتحويل جامعة الأزهر إلى كلية للدراسات الدينية العليا, يتم دمجها في النظام الجامعي الحديث آنذاك, وكذلك إلغاء (إدارة الأزهر) نفسه.

كانت نظرة طه حسين نظرة شاملة لتطوير وتحديث التعليم, بشكل يتوازن مع احتياجات المجتمع الحديث كما هو الحال في المجتمعات الأوروبية, وهو يري أن الأزهر (وهو من أبنائه) مؤسسة غير قابلة للتحديث, ولم تفلح معها محاولات الإصلاحيين الأزهريين منذ القرن التاسع عشر, وهي غير قادرة علي مسايرة التغيير الإجتماعي الذي بدأ يأخذ خطواته الأولي في المجتمع بعد 1952.

وبالطبع لاقي اقتراح طه حسين مقاومة شرسة من رجال الأزهر, مع سعيهم لاحتكار الدين والمنافع الإقتصادية المترتبة عليه سواء بالسعي لإستعادة الأوقاف أو من مصادر أخري..
كان قد سبق ذلك توجيه ضربة قاسمة لمؤسسة الأزهرعبر تأميم الأوقاف في عام 1952, وعبر استبعادهم من المحاكم في عام 1955.

الّا أن النظام الناصري كانت له رؤية مختلفة عن رؤية طه حسين, فقد رأي أن الأزهر يمكن استخدامه سياسيا كمؤسسة وطنية, ويمكن أن يكون ذا فائدة للنظام, وقد تجسد ذلك في استخدام منبر الجامع أثناء العدوان الثلاثي, ومن ثم فهو يعطي شرعية دينية لعبد الناصر, كما أنه أداة لضرب الأخوان المسلمين المناهضين له.

وبدلا من دمج التعليم الديني في التعليم والعالم الحديث, عمد عبد الناصر الي توسيع مؤسسة التعليم الديني, من خلال إضافة المعرفة الحديثة إلى المناهج الأزهرية, من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الجامعي العالي, وإضافة كليات علمية حديثة فيما سمي بمشروع إصلاح الأزهر.
كان مشروع تطوير الأزهر في حقيقته هو وسيلة للرئيس للسيطرة سيطرة محكمة ومباشرة على المؤسسة الدينية والاستيلاء على وظيفتها الدينية وتوجيهها, بدون أن تختفي من الحياة العامة, ومن خلال تحويل كل العاملين في الأزهر الي موظفين لدي الحكومة.

قام عبد الناصر بتطوير الأزهر عام 1962 بغية استخدامه سياسيا للتصدي للنفوذ السياسي للإخوان المسلمين, وأيضا لمواجهة مشروع الاسلام السياسي (الوهابي) التي يتبناه النظام السعودي, اذا تم إصلاحه بشكل صحيح, الّا أن هذا التطوير كان رهانا غير محسوب, حيث جاءت النتائج معاكسة للهدف الذي تم من أجله.

وحقيقة القول, أنه بالإضافة لمقترح طه حسين بإلغاء ادارة الأزهر ومنشآته التعليمية ودمجها في التعليم العام, لم يكن عبد الناصر نفسه علي قناعة كاملة بإمكانية أن يغيّر علماء الأزهر منهجهم الديني بما يتوافق مع التطور المجتمعي الحديث, ووضح ذلك في الحملات العدوانية التي كانت توجه للأزهريين في عهده, وعلي سبيل المثال وعلي لسان عبد الناصر نفسه:
“لا يفكر الشيخ في أي شيء, ما عدا الفرخة والطعام الذي يملأ بطنه, إنه ليس سوى عميل للرجعية والإقطاع والرأسمالية”
وفي مجال معارضته المكانة الخاصة لرجال الدين وتكسبهم من ذلك قال:
“منذ البداية, كان الإسلام يدعو إلى العمل, وكان النبي يعمل مثل أيّ شخص آخر, الإسلام في حد ذاته، لم يكن مهنة مطلقا”
وليس من المستبعد أن تكون تلك القناعات من ضمن الأسباب التي كانت وراء تأميم الأوقاف في عام 1952.

كذلك كان السماح بالتركيز الإعلامي المكثف علي حادث وقع في صيف عام 1955, اتهم فيه القاضيين الشرعيين الشيخ الفيل والشيخ سيف بإقامة علاقة جنسية محرّمة مع سيدتين متقاضيتين في دعويين منظورتين أمامهما, والذي في أعقابه تم الغاء القضاء الشرعي واستبعاد الشيوخ من المحاكم.

لم يسفر تطوير الأزهر عن أي تغيّر أيديولوجي واستمر رجال الأزهر في إنتاج إسلام تقليديّ محافظ, ولم يكن أمامهم سوي الرضوخ لرغبات النظام, وإضفاء الشرعية على السلطة السياسية القائمة, وهو ما أسفر عن انعزال الشيوخ عن قطاعات المجتمع التي تمر بعملية التحديث, وصار هناك رفضا لوجهات نظرهم التقليدية..

علي الجانب الآخر وبغض النظر عن الجانب الأيديولوجي, أسعد التطوير الكثير من رجال الأزهر, فقد أصبح لديهم وظيفة رسمية, وأصبحوا هم وحدهم المكلفين بالشأن الديني الرسمي, كما أن افتتاح الكليات غير الدينية والتوسع فيها أغبط المتشددين نظرا لقصورها علي المسلمين دون المسيحيين.
وللحديث بقية…..
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى