كتّاب

لما جيلنا اللى هو جيل الستينات يموت، مصر هاتموت معانا، لأننا…


لما جيلنا اللى هو جيل الستينات يموت، مصر هاتموت معانا، لأننا آخر جيل شاف مصر المصرية الفرعونية، لأننا آخر جيل ” شم” ريحة مصر لما كانت عفية وبخيرها، مصرنا هى ريحة ف خيالك بتجمع بين ريحة شجرة التوت العتيقة أدام دوار العمدة سالم، وبين نخلتين البلح بتوع السيسية أجمل بلح فى العالم، وبين ريحة عرق الفلاح المخلوط بابتسامة قدرية بتغطى على سواد وشه من الفقر والجوع، هى ريحة الزرع والخضار والعمار والطيور لما كانت القرية بتاعتنا دولة تقدر تنفصل عن الدولة المصرية من غير مانخسر حاجة، بالعكس المدينة هى اللى محتاجة سواعد شبابنا وخير أرضنا ولبن جاموستنا وزبدتها وجبنتها، ومش عايزين باكو المعسل ودفتر البفرة اللى بنشتريه منكم.!!!
مصرنا اللى الفلاح فيها بيصحى وقت ” الغبشة بين الفجر والصبح ويسحب بهايمه ويطلع ع الغيط فى طابور لامم كل فلاحين البلد، ويفطر بهايمه ويسقى أرضه قبل مايسط وشه بكوز مى ولاحتى يشق ريقه غير لما المرا تروح له بمشنة العيش البتاو وفيها جبنة قديمة بالدود بتاعها اللى بنعتبره بروتين حيوانى حرام نقرف منه، وتحش له شوية سريس وجعضيض من أى ترعة ولا مصرف لما كانت بتطلع شيطانى- النبات الشيطانى بقى اسمه إلهى دلوقتى – ويفطر هو والمرا والعيال ويعمل راكية نار وعلبة صفيح مربوطة بيد صفيح مجدول يعملها غلاية للشاى، والمرا تطلع من صدرها قرطاسين ملفوفين فيهم بقرش شاى وقرش سكر، يعملوا خمس كبايات شاى، ويغلى الشاى ف الغلاية ويصبه فى البراد ويدوب السكر ويصبه، ويعمل دور تانى بنفس التفل يبقى خفيف شوية، والتالت برضه على نفس التفل ويعصر عليه ليمونة من أى سجرة لامون ف الملأة، ويشيلوا بواقى الأكل ف منديل محلاوى كبير ويربطه ع السجرة لحسن اى كلب معدى يلهف غداه، والمرا تروح تكنس البيت بمقشة من سعف النخل وتهمد تراب الأرضية بكوزين مى، وتشيل الزلعة على راسها برشاقة باليرينا روسية، وتملاها من أبعد طرمبة ف البلد وبمكر فلاحى أصيل تميل الزلعة عشان تغرق صدرها بالمياه والجلابية تلزق ف اللحم- نسواننا لم تعرف اختراع السوتيان واللباس غير بعد منتصف السبعينات- وتطلع لنا تفاحتين ربانى ماحدش لمسهم، ولاحتى جوزها لأنه عيب يلمس تفاح مراته لأنها شريفة مش بدوية ولا غجرية، وتفضل شفايفها وصدرها بكر لحد ماتلاقى ابن حلال ينهشهم ف الحرام.
ويفضل فلاحنا ف الغيط لحد المغربية، وعيب أوى يرجع بيته ف النهار، دة يبقى لامؤاخذة مش راجل وصحته ضعيفة، ياإما بيشك ف أخلاق مراته، وتلاقى كل الفلاحين راجعين ف طابور طويل أوله بيت الفلاح وآخره الملأة، ويقف له ف الطريق الصبايا المليحة اللى تسحب من على الحمارة اللى راكبها شوية برسيم للطيور، وتديله ابتسامه تقيد النار ف جتته، ويروح يلاقى المرا جابت كيلو مكرونة فرط بتلاتة صاغ وعملتها بالبصل والتوم وحمرتها بالسمنة النباتينى، ويتعشى ويقعد ع المصطبة أدام بيته يمارس هوايته فى ” الفشر” الكوميدى مع جيرانه وهو فطسان م الضوحك على أى جملة تافهة.
أما يوم السبت يوم السوق بتاعنا فالمرا بتدبر حالها وتجيب ربع رطل لحمة- الرطل كان ب 35 قرش- وشوية خضار تشتريه لو معاها قرشين صاغ، أو تحش شوية خبيزة اللى بتطلع شيطانى على كل الترع ف بلدنا، ويتعشوا زفر ويستنى العيال يناموا أو يعملوا نايمين ع الإياس وهو ياخد المرا فوق الفرن ويديها أجرة تعبها ف الطبيخ، والعيال اللى عاملين نايمين يتفرجوا على فيلم بورنو وهما بيكتموا ضحكتهم، ويمارسوه تانى يوم ف الزريبة مع أى بقرة أو جاموسة، ويمكن ربنا يكرمهم ويزنقوا بنت ف الدرة ويخلوها تقول جدر البطاطا هو السبب، مع إنها داخلة الدرة تدور على زبون بعد سهرة ابوها وامها امبارح، وفى الفجرية تقوم المرا تسخن طشت مياه وتاخد جوزها ف الزريبة ” تسبحه” يعنى تحميه بصابونة نابلسى شاهين، وتشيل الطشت على دماغها وتكبه ادام الدار فى إشارة واضحة لأنها ” اتقطعت” الليلة من الفحل بتاعها، وحتى المنكوبة اللى عندها الدورة يعنى العادة يعنى الإكس يعنى عليها ضهرها يعنى معذورة، أو جوزها مش قادر يقطعها، برضه تملا الطشت مياه وتكبه أدام بيتها بكل حقد عشان ماحدش يشمت فيها، ونيجى احنا نتزحلق ف شوارعنا يوم الحد واحنا رايحين المدرسة عشان النسوان يكيدو بعض.!!!
هى دى مصر اللى ماحدش يعرف يرجعها بعدنا، لأن ماحدش منكم شافيها وشمها واتمتع بجنتها، احنا بس اللى دخلنا الجنة وطردنا منها عامود النور والكهربا والتليفزيون وفلوس الخلايجة والطوب الأحمر والدش والتوكتوك.
جاتكم الأرف بوظتوا مصرنا………………




يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫30 تعليقات

  1. كأنى اسمع جدى (لأمى) .. سلمان ابو يوسف .. ب يتكلم عن الكفر .. رجالته و نسوانه ..
    خليت “الريحة” تمللى نخاشيشى … يا شومان
    تسلم ايدك و دماغك الحلوة
    🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩🤩

  2. الله على جمال وصفك واحساسك ياعمنا خلتنا نعيش ايام حلوة خسارة اننا مشفنهاش ربنا يحفظك ويبارك في حياتك وعمرك يارب عمنا لك كل الاحترام والتقدير

  3. احنا في الستينات كنا فلاحين ايضا في شمال العراق ،بس كانت معيشة الفلاح جيدة وكنا ناكل بالاسبوع مرة لحم والبيض واللبن يوميا ولم نكن نعرف المعكرونة فقط البرغل او الرز،،

  4. بكل اسف وأسي الفتاه التي تتكلم عنها قتلت في عهد الرئيس المؤمن وكان شاهد على الجريمه الأزهر فلن ولن تعود لقد قبرت وماتت الي الأبد فمن له بعض الذكريات ياريت يحكيها لأولاده واحفادة لا ذلك الكلام سيصبح من التراث

  5. رائع جدا يا مولانا
    بس احنا جيل الأربعينات شفنا كتير بس مانعرفش نكتب زيك ولا حتى ربع كتابتك الممتازة ألف تحية وتقدير

  6. الحمد لله عاصرت بعض من هذه الايام الجميله..في قريتي التابعه لمركز اجا…دقهليه ..حيث دفئ القريه وخضرتها وجمالها…والفلاحين تعمل وتزرع

  7. وصف اكتر من رائع و جميل.. تسجيل حى للتاريخ بحروف كلها حياة…لو سمحت ياريت تسجل ما فى ذاكرتك المصرية فى كتاب ..مصرى مولود فى أواخر الستينات

  8. الله عليك ياشومانى لما تشوقنا وتععيشنا الايام ال ما يعرفهاش الا العبد الفقير الريفى الاصيل وربنا يبارك لك فى جددر تلبطاطا

  9. دى مصر الجميلة الطيبة بالرضا رغم القسى على ناسها بعزف مولانا التحفة اللى يخلينى ابقى عايشة فيها واحن لها وابقى نفسى اعيش فيها بجد مش عايزة اى تكنولوجى

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى