توعية وتثقيف

لا أنوي الليلة التحرش بالتاريخ. مات النبي فانقلبت الجزيرة…


لا أنوي الليلة التحرش بالتاريخ. مات النبي فانقلبت الجزيرة على مشروع الدولة. بقي في قبضة الخليفة قريتان ونصف القرية، وأعلن العصيان والرفض في سائر الحواضر والبداوات التي سبق لها أن التحقت بالدولة العربية الجديدة (أو: أسلمت، بالتعبير الأصولي). لم تواجه الدولة العربية منذ لحظة التأسيس أزمة كتلك التي واجهتها بعد موت النبي. لا يتعلق الأمر بالردة عن العقيدة بل في التفكك السياسي، وبروز دويلات ومشاريع أنبياء، وانزلاق الجزيرة إلى حرب الكل ضد الكل. لنستمع إلى مسيلمة وهو يعرض مشروعه على سجاح، كما في “الكامل في التاريخ”: بقومي وقومي سنأكل سائر العرب. في الساعات تلك تضاءلت الدولة العربية (دولة العرب المسلمين) حتى صارت واحدة من أصغر دويلات الجزيرة. كما هوجمت العاصمة من أكثر من جهة. وحدث أن المنقلبين اعتقلوا عمال النبي، طردوهم، أو قتلوهم. مر أبو بكر بأيام عصيبة، ولكنه كان محظوظا بقادة عسكريين من الطراز الرفيع (عمرو بن العاص،خالد بن الوليد، شرحبيل بن حسنة، القعقاع بن عمرو، عكرمة بن أبي جهل، وسواهم)، وبساسة يتمتعون بقدر عال من الخيال والشجاعة. معركة واحدة، اليمامة، كلفت أبا بكر أكثر من ٣٠٠ من “أكابر” المسلمين، منهم عشرات البدريين. وخسر فيها عمر شقيقه زيد، وفي لحظة حزن وفجيعة نهر ابنه عبدالله لأنه لم يمت كما مات عمه.

حتى النساء والعبيد والأطفال ساهموا في الدفاع عن مشروع الدولة في الأيام الحالكة تلك.

أسرة واحدة غابت كليا عن الأحداث، ولم ير لها أثر، لم تقدم مقاتلا ولا جريحا: بنو هاشم.

كانوا قد قاطعوا الخليفة لما يزيد عن نصف عام. يذهب مؤرخون كثيرون، ابن الأثير على سبيل المثال، إلى القول إن بني هاشم أعلنوا ولاءهم لأبي بكر بعد موت فاطمة (أي بعد حوالي نصف عام من تولي أبي بكر أمور الدولة). الحقيقة أن بني هاشم خضعوا للسلطة الجديدة بعد أن رأوا بأسها وقدرة جيوشها على المناورة والحسم، وبعد أن يئسوا من قدرة الانقلابين على الوصول إلى المدينة. فقد كانوا يؤملون أن تتدحرج الفوضى وتصل العاصمة، أن تطيح بنظام أبي بكر، وتنصب عليا أو العباس حاكما.

فهم بنو هاشم الانقلاب الذي عم الجزيرة بحسبانه تصويتا لصالحهم. ولم يمانعوا في أن تذهب دولة العرب المسلمين أدراج الرياح إن لم يكونوا هم قادتها!

سيعاود بنو هاشم الكرة بعد ربع قرن، سيتمالؤون مع حركة انقلابية قادمة من شمال الجزيرة، وستنجح تلك الحركة في قتل الحاكم والإطاحة بولاته وقادة جيشه. وسيحدث أن يفرض الانقلابيون الأحكام العرفية في العاصمة إلى أن يتسلم علي مقاليد الحكم، ثم سيسيرون بخليفتهم الجديد إلى العراق، ويصبحون جنده وشعبه وقادة معاركه.

سأكتب بتفصيل أوسع عن تلك الأيام، الأيام الأولى بعد موت النبي، وعن خيانة بني هاشم لدولة العرب في أحلك اللحظات.

كونوا بخير

Marwan Al-Ghafory

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

خالد كرمان

خالد عبدالسلام كرمان ناشط مجتمعي ومؤثر يمني هوايتي المفضلة.. تحطيم الأصنام

‫4 تعليقات

  1. لا تدخلو جيل الصحابة بالمهاترات الحاصلة حاليا يا استاذ خالد.
    صح في حاجات حاصلة تخلي الواحد يخرج عن طوره لكن جيل الصحابة هو الجيل الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الجيل الذي نقل لنا ديننا وفهمنا عبره الدين والاقتداء بسيد المرسلين وهم اخير جيل.
    “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي” صدق رسول الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى