كلمة ‘الميسوجينيه’ (misogyny) تُترجَم إلى ‘كراهية المرأه’. …


كلمة ‘الميسوجينيه’ (misogyny) تُترجَم إلى ‘كراهية المرأه’. لكن التعبير لا يعنى الكراهية بالمعنى الحَرفي، بل يشمل خليطاً من المشاعر التى غالباً ما تكون متناقضة وعبثيه. فالرجل فى كل المجتمعات يقدس أمه ويعتز بإخواته وبناته، ويتوق إلى صحبة المرأة ووصالها. لكن بعض الرجال، لا سيما فى المجتمعات المتخلفة، لا يحترم الإناث كنوع، ويعتبرهن أدنى قيمة منه. وهو فى فكره البدائي يترجم ميكانيكيات الجنس إلى أن الذكر يعلو على الأنثى. فى المجتمعات المتقدمة يُعتبر هذا الفكر خللاً نفسياً، أما فى البلاد المتخلفة فهو طبيعة الأشياء.

والميسوجينية لها سجل طويل ومشين، ربما يرجع إلى فجر التاريخ عندما كان الإنسان يعيش على الصيد وجمع الثمار. نستدل على ذلك من عادات بعض القبائل التى تَجَمّد تطورها لسبب أو لآخر. سمعت فى منتصف القرن السابق من أستاذ أنثروپولچيا أجرى أبحاثه على قبيلة الأزاندى فى أواسط إفريقيا أن مهر الفتاة عندهم كان ١٢ حربه (spear). ولم تكن هناك حدود على عدد الزوجات اللاتى يمكنك إقتناؤهن طالما كانت لديك الحراب والقدرة على بناء عشة لها فى ‘الدوّار’ مع الزوجات الأخريات. لكن المهين فعلا كان إمكانية إرجاع العروس إلى أبيها إذا لم يعجبك أداؤها (بعد يوم أو شهر أو سنه)، وإسترداد ال ١٢ حربة لدفعهم مهراً لعروس بديله.

عندما جاءت العقائد العبرانية كان المجتمع البشري قد تقدم نسبياً. لكن حظ المرأة لم يتغير جوهرياً. رسّخت تلك العقائد سيطرة الذكر وأضفت عليها قدسية جعلتها غير قابلة للنقاش. وجود المرأة ذاته وصفته التوراة بأنه خاطر ثانوى (afterthought) وردَ للإلٓه عندما لاحظ أن الإنسان (أي الرجل) يحتاج إلى من يسليه فى وحدته. وحمّلت الديانة العبرانية المرأة وزر الخطيئة الأصلية (original sin)، ووصمتها بالنجاسة طوال دورتها البيولوجية الطبيعيه. وأدانتها الشريعة الموسوية بأن تكون إلى الأبد خاضعة للرجل، تشتهيه، وتلد له ذريته فى معاناة وعذاب أليم.

حسّنت المسيحية وضع المرأة إلى حد ما بإلغاء تنجيسها وتغريبها أثناء الدورة الشهريه، وبفرض أحادية الوليف (monogamy)، وبحظر الطلاق التعسفى (أو الطلاق عموماً فى أغلب المذاهب.) لكنها لم تناقض الأساطير العبرانيه. وفى رسالته الأولى إلى كورنثوس أمَر بولس الرسول المرأةَ أن تغطى شعرها و”تقعد ساكتة” فى الكنيسة والمحافل الدينية ولا تجادل الرجال. وعموماً منعت الديانات المشتقة من اليهودية المرأة من المناصب الدينية والمدنية، ومن أن تكون لها سلطة من أي نوع على الذكور. وإستمر هذا الحائط قائماً عشرات القرون إلى أن ظهرت فيه بعض الشقوق فى النصف الثانى من القرن العشرين.

ضعفت الميسوجينية (misogyny) (وإن لم تختفى تماما،) فى المجتمعات المتقدمة، (مثل شمال أوربا،) حيث إزداد دور المرأة فى السياسة والعلم وإدارة الأعمال. أما فى الشرق الأوسط فكل خطوة إلى الأمام تبعتها خطوتان إلى الوراء. ولا يختلف العقلاء على أن الظاهرة فى مصر، مثلاً، أسوأ الآن عن ما كانت عليه قبل ٥٠ سنه. من مظاهر الإنحطاط الأخلاقى فى مصر فى الفترة الأخيرة ظاهرة التحرش بالنساء. والتحرش قد يكون هدفه مراودة الأنثى عن نفسها، أو قد يكون مجرد التعالى عليها وإهانتها ككائن ضعيف غير قادر على رد الإهانه، (وهو فى هذه الحالة يمثل أقصى درجات التفاهة والإنحطاط الأخلاقى). والغريب أن الرجل الذى يمارس هذا لا يرى تناقضاً بين سلوكه وبين إلتزامه بدينه ولا تبجيله لأمه.

ليس من العدل إدانة ثقافة بعينها بالحط من شان النساء، فالظاهرة كانت منتشرة فى كافة أنحاء العالم. فى الشرق الأقصى كان الرجال يثيرهم جنسياً صغر القدمين عند المرأة. فكانت البنات تتعرضن لعذاب أليم منذ الطفولة لإبقاء أقدامهن فى قوالب حتى لا تنمو. وكان الناس فى بعض مناطق الهند يمارسون تقليداً بشعاً يسمى ساتى (Sati) حيث كانت المرأة البنغالية إذا مات زوجها وشرعوا فى حرق جثمانه تدخل إلى النار لتحترق معه. وكانت الفتيات فى قبيلة الماساي تتعرضن إلى عملية لمط رقابهن خلال فترة النمو لأن الرجال يستسيغون ذلك … وهناك العديد من الأمثلة الأخرى المقززه. لكن من العدل أيضاً أن نشير إلى أن ذلك كان فى الماضى. أما فى الشرق الأوسط فالميسوجينية حاضر مؤسف.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version