مفكرون

كانت تربطنى بوزير الخارجية الراحل محمد حسن الزيات علاقة طيبة…


كانت تربطنى بوزير الخارجية الراحل محمد حسن الزيات علاقة طيبة خاصة انه كان يعرف والدى وكثيرا ما كان ينادينى “يامفيد” وكنت احبه جدا لانه كان رجلا صادقا وشجاعا وزرته اكثر من مرة فى منزله بالمعادى. وقد فوجئت ان عمرو موسى يخصص نحو ٤ صفحات فى مذكراته للرد على هذا السؤال الذى من الواضح انه يحيره: هل كان د. الزيات يعلم بتاريخ حرب ٦ اكتوبر قبل وقوعها؟؟ واورد موسى عدة احتمالات منها ما نقله عن السفير عبد الرءوف الريدى بان السادات استدعاه قبل سفره لحضور الجمعية العامة للامم المتحدة فى نيويورك فى اواخر سبتمبر ١٩٧٣ وطلب منه اسم مدير مكتبه وقال انه ستصله برقية من القاهرة وهو فى نيويورك تقول له ان مدير مكتبه سيزور نيويورك وهذا اشارة على وقوع “حادث جلل”.. ( وهو كلام عايم )
ولانى اعرف القصة من د. الزيات شخصيا وكنت اتصور ان المقربين منه وخاصة عبد الرءوف الريدى يعرفونها .. أجد من واجبى ان اسردها للتاريخ بامانة كما سعمتها بالضبط من فم د.الزيات.. وقد دونتها وقتها واردت نشرها وقلت له عندما زرته بالمستشفى حيث كانت ترقد السيدة الفاضلة حرمه ابنة عميد الادب العربى انى سأنشر القصة فغضب منى وقال : لأ.. انا حكيتهالك لانى اثق بك. وسوف انشرها فى مذكراتى.(وللاسف انه لم ينشر مذكراته ولا اعرف السبب فى ذلك).
بعد اقالته بفترة قصيرة التقيت بالدكتور الزيات فروى لى قصصا كثيرة مثيرة جدا منها ما يلى باختصار: قبل سفرى (والكلام للد. الزيات ) لحضور الجمعية العامة اتصل بى المشير احمد اسماعيل ودعانى على العشاء بنادى الضباط فى الزمالك. وفوجئت لدى وصولى بترابيزة وحيدة وسط الحديقة ومسافة كبيرة بينها وبين كل الترابيزات الاخرى التى كانت تحيط بها. وجلست ( والكلام لا زال للزيات) مع المشير الذى قال لى ما معناه اننا حاولنا كل شىء مع اسرائيل لكن لا مفر من العمل العسكرى وانه تقرر القيام بتحرك عسكرى على طول الجبهة فى وقت قريب. وعندما قلت له متى؟ اجابنى بان ساعة الصفر لم تحدد بعد بدقة لكن المطوب منك ان تقوم بتحرك دبلوماسى واسع فى الامم المتحدة وتعبىء الدول الاعضاء بمجلس الامن للتعاطف مع الموقف المصرى والوقوف الى جانبنا لان الحق معنا واننا استنفدنا كافة الوسائل السلمية. ثم اضاف المشير بغتة: هل تستطيع الحصول على قرار من مجلس الأمن بوقف اطلاق النار بافضل شروط ممكنة لمصر فقد نحتاج الى ذلك بصورة عاجلة.. وبالتالى عليك تحضير الارضية المناسبة لذلك.
وقلت له (الكلام للزيات): نعم استطيع باذن الله. لكنه على ان اعلم بالموعد قبل فترة كافية لتكثيف عملى السياسى والدبلوماسى.. فاجاب المشير: اعطنى اسم شخص مهم يعمل معك فى الخارجية لن يكون معك فى نيويورك فقلت له “وكيل الوزارة محمد شكرى”.. اخرج المشير ورقة وقلما ودون الاسم قبل ان يقول: اذا ستصلك برقية بان محمد شكرى سيصل نيورك يوم كذا الساعة كذا.. وطبعا هو لن يسافر لكن هذا الموعد سيكون موعد بدء التحرك العسكرى.
وفى يوم ٥ اكتوبر وصلت برقية تقول ان محمد شكرى يصل غدا الساعة كذا.. وكان الزيات وحده هو الذى يعرف معناها. وأضحكنى ( أنا ) الدكتور الزيات حين قال باسلوبه الساخر: كل اعضاء الوفد كانوا متحمسين ويتسابقون لاستقبال محمد شكرى فى المطار واستغربوا جدا حين قلت لهم: “ما حدش يروح. انا حاحدد اللى يروح فى الوقت المناسب.” فاصيبوا بالاحباط..
وكانت هذه هى الشفرة المتفق عليها والتى علم منها وزير خارجية مصر موعد الحرب وقام بجهد دبلوماسى رائع فى الامم المتحدة.. وارجو ان تطلع السيدة سوسن ابنة الدكتور الزيات على هذا الكلام فربما لديها شهادة تدلى بها وربما روى لها والدها هذه القصة التى لا يعرفها عمرو موسى واخذ يضرب اخماس فى اسداس فى مذكراته حول الحقيقة.. فاهدى له هذه القصة واتمنى يطلع عليها كما اهديها الى الصديق المحترم السفير عبد الروف الريدى

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫9 تعليقات

  1. كم أنا و الأصدقاء طبعا محظوظين😊
    أحيي سعادتكم على هذه المعلومة المفيدة جدا للقراء كشهادة مهمة تثري معلوماتنا التاريخية …🇪🇬❤️🇹🇳

  2. هكذا يكتب التاريخ بشهادة من شهدوه.
    وقصة أخري رويت في الخارجية أن الدكتور الزيات اتصل بوزير الخارجية بالإنابة (وزير السياحة وقتها) اسماعيل فهمي ، بعد اندلاع الحرب وعاتبه لأنهم تركوه يقابل كيسنجر يوم 6 أكتوبر دون أن يعلم باندلاع الحرب وان كيسنجر هو الذي ابلغه ببدء الهجوم المصري.
    وأنا اميل لتصديق حكايتك.

  3. كان من حسن حظي ان عملت مع العالم والاستاذ الكبير د محمد حسن الزيات عام 1961 بالادارة العربية حين عاد من الخارج وتولي هذه الادارة..وشاء حظي ايضا ان كنت اتولي قسم فلسطين بالادارة العربية رغم صغر درجتي الوظيفية ( ملحق)..ويضيق المجال في الحدث عن ماثره ..اذ اعتبره استاذي الذي ادخلني لعالم الدبلوماسية من اوسع ابوابها ..ولقد كتبت عن ذلك باستفاضة ..واستطيع ان اقول بضمير انه في الواقع قمة في الثقافة والعلم والوطنية .

  4. بقدر سعادتنا بهذه الشهادة المهمة والقيمة شريف بك ، بقدر الحزن والأسي أن لاتتوافر لدينا فرصة التأريخ الموثق المحترم لهذه الفترة الخصبة من تاريخ مصر الحديث ، سواء من خلال تجميع هذه الشهادات من مصادرها المختلفة والمبعثرة وغربلتها وتمحيصها ، أو استنادا للوثائق الرسمية التي يجب وينبغي ان يفرج عنها بعد مرور حوالي ٤٥ عاما علي حرب اكتوبر ، وأعتقد انه لابد من تخفيض مدة الافراج عن الوثائق لتكون ٢٥-٣٠ عاما علي اكثر تقدير . مصر للاسف بدون تاريخ يوثق به !

  5. شهادة مهمة من شاهد مهم لجزء من أحداث حرب أكتوبر .. لعلك تهتم شريف بك بتسجيل مالديك في مذكرات موثقة وليس فقط علي صفحات فيسبوك.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى