كتّاب

عواصم مصر في 5000 سنة:…


عواصم مصر في 5000 سنة:
من “منف” الملك مينا “لإدارية” الرئيس السيسي:
تنشأ العواصم لأسباب موضوعية وتنتقل من مكانها لأسباب موضوعية أيضا، وسنرى أن الحكام الذين تركوا عاصمة قديمة لعاصمة جديدة كانوا يدركوا أن العاصمة التى قامت لقرون عديدة قد أصبحت مقرا لأضرحة ومعابد وعبادات ومقابر لأسلاف غاليين، وعلاقات إنسانية متشابكة، ومصالح اقتصادية واجتماعية مركبة، ومكانا لأشواق لا سبيل لنقلها، ولذلك فلم يتعرضوا للعاصمة القديمة بسوء، بل كانوا يكتفوا بالذهاب بحكوماتهم وجندهم إلى العاصمة الجديدة ويتركوا الزمن ليفعل فعله فى نمو عاصمتهم المختارة
حول سنة 3200 ق م نجح حاكم الإقليم الجنوبى الملك العظيم مينا صاحب التاج الأبيض من اللباد وعاصمته “نخن” ادفو فى توحيد البلاد وهزيمة الشماليين ذوى التاج الاحمر وعاصمتهم بوتو دسوق الحالية، وكان من الطبيعى ان يترك مدينته الجنوبية ويؤسس عاصمة الدولة المركزية فى منف “ميت رهينة”، فى منتصف المسافة بين الدلتا والوادى، وتظل منف عاصمة الدولة المركزية الموحدة لنحو ألف سنة، تتحرك فيها الى الشمال الغربى لكيلومترين فى سقارة الاسرة 3 وهرم زوسر ثم الى الى الجنوب كيلومترين البدرشين واهرام سنفرو ثم الى الشمال اربعة كيلومترين الاسرة الرابعة حيث هضبة الاهرامات واهرام خوفو وخفرع ومنكاورع، وتعود الى سقارة اسرة خمسة وستة حيث اهرام اوناس وتتى وبيبي الثانى.
وبعدها تنهار الدولة المركزية فى البلاد لمايزيد على المائتى عام حتى تتمكن الاسرة 9 وتليها اسرة 10، القوية من تأسيس عاصمتها القوية فى اهناسيا احد مراكز بنى سويف الحالية من
وفى الأسرة 11 وفى بداية الألف الثانية قبل الميلاد يتمكن منتوحتب العظيم من إعادة توحيد البلاد كلها، ويتخذ من طيبة العظيمة موطن الاله القومى الأعظم آمون عاصمة له وتظل طيبة عاصمة للبلاد فى الأسرات 12 و13 و14 حتى يدخل الهكسوس بلادنا نحو 1700 ق م، ويفشلوا فى الهيمنة على البلاد كلها فيكتفوا بالسيطرة على الدلتا ويتخذوا من اواريس عاصمة لهم وتتحول طيبة إلى ولاية خاضعة لهم، وفى الاسرة 17 يهب الامير تاعا الثانى وبتشجيع وتحريض من زوجته العظيمة إياح حتب لمقاومة الهكسوس فيتسمى باسم الملك سقنن رع ويغزو اواريس ويقتل تحت اسوارها، ويواصل ابنه كامس ويقتل ويواصل ابنه الثانى احمس فينتصر ويدمر اواريس ويطرد الهكسوس، ويطاردهم الى شمال فلسطين، ويعود الى عاصمته طيبة ويؤسس الاسرة 18 نحو 1550 ق م، وفى عهدها الذى يزيد عن 250 سنة تصبح طيبة عاصمة الدنيا، حيث اعظم ملوك العالم: احمس والتحامسة وحتشبسوت وامنحتب 1 و2 و3، غير ان امنحتب 4 راح يبشر بإله جديد “واحد” هو آتون وسمى نفسه “اخناتون” اى المخلص لآتون، وسعى كهنة آمون الأقوياء فى طيبة لقبول ملكهم غريب الاطوار وإلهه العجيب “آتون” لعشر سنوات، وقبلوه فعلا ولكن اخناتون صمم على محو وتدمير كل رموز آمون وتجلياته من الآلهة: رع، شو، تفنوت، جب، نوت، ايزيس، اوزوريس، ست، نفتيس، حورس، حتحور، سخمت.. وغيرهم، بل طلب منهم محو اسمائهم ورموزهم وصورهم جميعا من على المعابد العتيقة، فلم يكن من الممكن قبول هرطقات الملك العجيبة التى تسعى لهدم عقيدة عمرها آلاف السنين، فثار عليه كهنة طيبة العتيدة، وسعوا للفتك به، فلم يكن أمامه إلا الهروب بإسرته وزوجاته ومريديه نحو الشمال لأكثر من 400 كم، إلى المنيا ليؤسس لنفسه عاصمة خاصة ” اخيتاتون ” أفق آتون، أو تل العمارنة، بنى حسن الحالية، وتنقسم مصر بين عاصمة الملك المعزول فى المنيا، وعاصمة الكهنة والناس والناموس فى طيبة، لعشرين عاما فقط ذاقت البلاد فيهم الويلات، فيتقدم قائد الجيش العظيم حور محاب، ويموت اخناتون فى ظروف غامضة، ويصحب الملك الطفل توت عنخ آتون الى طيبة ويغير اسمه الى توت عنخ آمون ويعيد هيمنة طيبة على البلاد كلها، وفى الاسرة 19 تشتد الاطماع الآسيوية فى البلاد فيتخذ رمسيس 2 من مدينة “بررعمسيس قنتير الحالية” بالقرب من فاقوس الشرقية قرن 13 ق م، مركزا حربيا له، ولكن تعود السيادة الى طيبة فى الاسرة 20، وتتدهور عوامل الوحدة والقوة فى البلاد فتنقسم فى الاسرة 21 فى القرن العاشر ق م، الى مملكة الجنوب وعاصمتها طيبة ومملكة الشمال وعاصمتها بوتو او دسوق الخالية، حتى يتمكن القائد شيشنق من أصول ليبية من إعادة توحيد البلاد وإعادة طيبة الى مكانتها وتأسيس الاسرة 22 وتعقبها الاسرات 23 و34، فيتقدم حكام النوبة ليؤسسوا الاسرة 25، وفى نهاية عهدهم تتعرض البلاد لغزو الآشوريين ثم الفرس ويضطر الملك بسماتيك الاسرة 26 قرن 6 ق م، من اتخاذ “صالحجر” بالقرب من سمنود غربية قاعدة له لمواجهتهم، وتعود العاصمة الى طيبة فى الاسرات 27 حتى 30، ويدخل الفرس البلاد مرة ثانية 342 ق م ويتخذوا من منف عاصمة لهم حتى يدخل الاسكندر الاكبر العظيم 332 ق م فيطرد الفرس من منف، وبعد رحلة هائلة الى سيوة ليتوج ابنا للاله العظيم آمون يقف على ساحل البحر المتوسط فى قرية للصيادين “راقودة” وامام جزيرة صغيرة “فاروس” ليقول لمهندسيه: اريدكم أن تبنوا لى هنا “عاصمة الدنيا” فتكون مدينة الأسكندرية العظيمة التى حكمت البلاد فعلا لألف سنة من 323 ق م، زمن البطالمة ثم الرومان ثم الرومان البيزنطيين حتى الفتح العربي 639 م حيث يؤسس الفاتح عمرو بن العاص عاصمته الفسطاط فى مصرعتيقة الحالية، التى تزدهر وتتعاظم وعلى الرغم من بناء احمد بن طولون قرن 9 م، مقرا إداريا وعسكريا له “القطائع” حول مسجده القائم، وبناء صالح بن على العباسي أيضا مقرا عسكريا لجنده، تظل الفسطاط العاصمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد حتى دخول الفاطميين مصر 969 م فيبنوا عاصمتهم القاهرة “الفاطمية” التى يتوسطها الجامع الأزهر ويقطعها بالطول شارع المعز لدين الله من بابه الجنوبى “ذويلة” الى بابه الشمالى “الفتوح” فتكبر وتعظم ويزداد عدد سكانها، ويهيم بها الكتاب والشعراء والرحالة، وتسحب البساط من تحت اقدام الفسطاط التى تحترق فى فتنة الوزراء شاور وضرغام، سنة 1168، وعلى الرغم من بناء صلاح الدين الأيوبى 1171م، للقلعة لتكون دارا للسلطنة ومقرا للعسكر تظل القاهرة الفاطمية عاصمة لمصر زمن المماليك والعثمانيين ومحمد على وخلفاؤه حتى عصر حفيده اسماعيل (١٨٦٣-١٨٧٩) الذى قضى أكثر من نصف عمره فى اوربا، متعلما ودبلوماسيا، فأنشأ القاهرة الحديثة الخديوية التى تمتد من سور القاهرة الفاطمية الغربى حتى شاطئ النيل وجزيرة الزمالك، ويضيف حفيده عباس الثانى حى العباسية، ويضيف الإنجليز حى المعادى، ويؤسس البارون امبان حى مصر الجديدة
هذه هى قصة العاصمة فى مصر، فهل يترك السيسي عاصمتنا الألفية التاريخية فى حالها فلا تدمرها كباريه ولا طرقه السريعة
….. يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى