كتّاب

عن مستقبل الوحدة اليمنية بعد التحرير (1/2)…


عن مستقبل الوحدة اليمنية بعد التحرير (1/2)
مروان الغفوري
ــــــ

وقفت المقاومة الجنوبية عند حدود الحادي والعشرين من مايو 1990، نالت قوات صالح والحوثي هزيمة مذلة في محافظات ومدن الجنوب، وتحديداً في عدن ولحج والضالع.

استنفر اليمنيون في الجنوب كل طاقتهم، وتجاوزت مساهمة التحالف الـ220 طلعة جوية في اليوم. ألوية عسكرية كبيرة، وتشكيلات من القوات الخاصة، عصف بها على نحو شامل. خرج الحوثي إلى الشطر الشمالي من اليمن، وخاض الحروب على الحدود الشطرية مقدماً نفسه كقوة شمالية.

سرعان ما خرجت مأرب والجوف عن سيطرته في الشمال، والتحقت بهم تعز بعد كفاح مرير. وهنت قوة الحوثي، وتكاثرت عليه الجبهات. فهو يريد العودة إلى تعز، وأيضاً مديريات لحج. غير أن الحشود العسكرية التي تزحف إلى صنعاء، أو تلك التي على تخوم الساحل الغربي تحدُّ من خياراته. في الوقت نفسه يغرق الجنوب في فوضى من كل شيء.

كانت الوحدة اليمنية مجرد أغنية مدرسية، لكن انهيار الاتحاد السوفييتي والعزلة الإقليمية المحيطة بجنوب اليمن دفعت الساسة إلى التوقيع على عقد الوحدة. كان توقيعاً إداريًّا، إذ بقيت الجيوش منفصلة. مع الأيام حصل الساسة الجنوبيون على عروض أفضل في مسألة فك العزلة، فمالوا إليها.

على الضفة الأخرى كان صالح أقل من مشروع وطني كبير، ولم يكن مع فريقه أكثر من جالية انتهازية لا تمانع من ضم المزيد من الأراضي. منذ الأيام الأولى حدث الاشتباك بين شريكي “العقد”، وصار صالح ينظر إلى الجنوب فيراه على شكل ثروات، أما قادة السياسة في الجنوب فراحوا ينظرون إلى الشمال بوصفه أسرة كبيرة اسمها “آل الأحمر”. تشكل الموقف النفسي للطرفين على هذا النحو: يريد الجنوبيون الفكاك من أسرة الأحمر، أي الانفصال، ويريد صالح الوحدة ولو بالدم، أي الثروة. بعد أربعة أعوام حدثت حرب كبيرة، اشتعلت أولاً على تخوم اليمنين السياسيين، وسرعان ما انتشرت في مديريات ومدن الجنوب. تمكنت القوات التي يقودها صالح من السيطرة على الجنوب، وفشلت في السيطرة على الأسباب التي أدت إلى اشتعال الحرب. بقيت المعادلة قائمة: الشمال أسرة، والجنوب بئر.

نالت الهزيمة من الحزب الاشتراكي، أولاً. مع الأيام صارت الهزيمة تخص الجنوب. في صنعاء عدل صالح الدستور وخلق شبكته الكبيرة وعمل على تقويض السياسة على نحو متسارع، وصولاً إلى العام 1999 حيث فاز بالرئاسة بنسبة تجاوزت الـ95%. أفسد كل شيء، حد خروج حزب الإصلاح للقول إن “صالح” هو مرشحه الرئاسي، مطالباً حزب المؤتمر الشعبي العام بالبحث عن مرشح آخر.

بيده القوية، التي يستخدمها على نحو جيد، أخفى صالح المستقبل شيئاً فشيئاً. بعد سبعة أعوام من هزيمة الاشتراكي في الجنوب وصف الشيخ الأحمر نظام صالح بالحيوان المفترس، ذي المخالب. كان تصريح الأحمر، عقب الانتخابات البرلمانية، يؤكد على أن الهزيمة التي منحها صالح للاشتراكي في العام 1994 صارت، آنذاك، هزيمة كل اليمنيين. وأنها كبرت لتنال من شركائه المنتصرين.

في العام 2006 طلب اليمنيون الخلاص وراء مرشح جنوبي، بن شملان. فشل بن شملان في استخلاص شيء، أي شيء، من صالح، لكن اليمنيين اكتشفوا قدرتهم الجماعية الكبيرة. في العام 2007 ظهرت بوادر الثورة في الجنوب، وراحت توكل كرمان تلقي خطاباً في واحدة من مديريات الجنوب متنبئةً بثورة ستعم كل القرى في اليمن.

استمر صالح في بناء مدرعته العملاقة، وتوسيع شبكته لتصل إلى أبعد مكان. وكانت مسألة وقت وحسب. فالملايين الذين يعيشون خارج شبكة صالح لم يعد لديهم من شيء ليخسروه سوى “الأغلال” بتعبير فرانس فانون. جاء العام 2011 فخرج الشمال على بكرة أبيه، وخرج الجنوب متردداً ووجلاً وشاكاً. فقد صارت تلك الرؤية التي تقول إن الشمال أسرة، بفعل الضخ السياسي المتواصل، تُشكل تصوراً مبدئياً لدى قطاع كبير من الناس. كانت ثورة 11 فبراير عملية يُراد لها أن تعيد تصحيح الأشياء الجوهرية والقطيعة الشاملة مع الماضي. وإن كانت 11 فبراير قد أقنعت، بقيمها، أغلب الشمال فإنها لم تبدد الشكوك لدى أغلب الجنوب.

تخلف الجنوب اليمني، كما يعترف العطاس، عن ركب الربيع العربي، مستسلماً لتلك الرؤية الطفولية التي تقول إن الشمال أسرة متجانسة، وعليه فإن 11 فبراير ليست أكثر من قلق مؤقت داخل الأسرة الكبيرة..
بعد عملية سياسية شاقة، ما بعد الثورة، قرر صالح الدخول في الحرب التي تردد حيالها كثيراً. استخدم كل شبكاته، من القاعدة حتى الحوثيين، وحول حزبه السياسي إلى حزب مسلح، ثم استخدم القوات المسلحة اليمنية إلى جانبه وخاض حرب أريد لها أن تكون مظفرة وخاطفة. سرعان ما جرت الأمور على غير النحو الذي توقعه صالح، ومالت الرياح بعيداً عن سفنه، وغرق في رمال اليمن وجباله.

بعد عام يطل صالح على فيسبوك كاشفاً عن صورة لم يشهدها اليمنيون من قبل: تفكك حزبه، انسحقت قواته المسلحة، خرجت شبكاته من مدن الجنوب والشمال، وصار رئيساً لا يملك سكناً، ومداناً بقرارات دولية، وتلاحقه تهمة أممية بنهب مليارات الدولارات من قوت وثروة شعبه..

هذا المشهد الأخير لرئيس عبث بالسلطة ثلث قرن، ثم خنق نفسه بها، يقع إلى الجوار من مشهد آخر: حكومة في المنفى، وجيشان تحت رايتين، وشعوب ثلاثة..

“يُتبع”

ـــــــــ

المقالة منشورة في
الوطن القطرية ـ هافنيغتون بوست

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫38 تعليقات

  1. كعادتك تحاول جاهدا ان تقلب الحقاءق فيما يخص الجنوب وتضخ كثير من اتشويش والمغالطات ولكن لا الومك فهذه عقدتكم جميعا ابناء الشمال مهما تعلمتم او سكنتم في مدن الغرب المتحضر يطلع اليمني القزم الحاقد من اعماقك غصبا عنك لكن على كل حال انا معجب باسلوبك في الحبك والفهلوه والرشوش وذر الرماد غير كذا من الشمال صفر

  2. كلامك ينقصه
    نقطه مهمه تجاوزتها لانعلم بقصد او بدون قصد
    تقول بان صالح عبث بكل شيء حتى ان الاصلاح رشح صالح

    مذكرات الاحمر تقول ان الشمال اسره واحده وان الاصلاح ولد من ضلع صالح المعوج وقد انشأه صالح والاحمر لمعارضة اتفاقيات الوحده المغدوره من قبل حتى قيامها
    اسرة الشمال اسره واحده تفككت فيما بعد الى اسر عده تختلف فيما بينها وتتفق على بقاء الجنوب تحت سيطرتها
    حتى جاء الخلاص عبر عاصفة الحزم

  3. حول حزبه السياسي (المؤتمر) الى حزب مسلح، وفي مقالك السابق قلت تقريبا نفس الشي! هل تريد اقناع الناس ان المؤتمر حزب مسلح ام انك بتعكس واقع حزبك السابق (الاصلاح) الذي هو بلفعل حزب ملشاوي مسلح او انك تريد ان تلبس المؤتمر نفس الثوب المسلح حق الاصلاح والحوثي! صالح لم يكن في حاجه لان يسلح حزبه مادام كان الجيش في يده يااستاذ مروان، ولاداعي لاختلاق القصص!

  4. الامم المتحده ومبعوثها سواء في اليمن سوريا وغيرها من الدول لم توقف الحرب ولهم سنين وسنيييين لهذا ليش مانقوم بطردهم ونعمل لنا العرب لجنه من جميع الدول من العقلاء غير العملاء وستاتي ثمارها باسرع وقت
    انما المبعوث الاممي عليهم لعنة الله والناس اجمعيين. ونطالب بطردهم من اي بلاد عربيه يدخلوها لانهم بينفذوا اجندات خارجيه ولايجدون الحلول التي يتمناها الانسان العربي
    #ارحل_ياولدالشيخ_من_اليمن

  5. ههههههههه فين راحت حركة موج وحتم وتصحيح مسار الوحدة والحراك الجنوبي ؟؟
    وهل كان عقد الشراكة بين شخصين ام بين فرع واصل ام بين دولتين بعملة وعلم ؟
    وممكن نموذج لذلك الاقناع الذي احدثته ثورة كنتاكي في الجنوب؟
    حقيقة الاسرة الشيطانية تشملكم جميعاً ولا وتتنصلوا من جرائم عفاش لأن كل اعمال عفاش كُنتُم انتم أدواتها وإدارتها ومنفذيها وموافقين عليها..

  6. كلام جميل وللاسف اصحابنا بالجنوب مازالو في مستنقع من الحقد ةالكراهيه والخبث الذي يحملوه تجاه ابناء الشمال لدرجة انهم وصلو لكبح المدرعات في احواش البيوت وجمبهم مدن تباد وهم ولا في بالهم والشي الثاني ينذبحو منهم المئات وتلاقاهم يحملون المسؤليه ابناء الشمال

  7. هذا تزوير يا غفوري ثوره 11 فبراير كان اول شهيد فيها هو العلواني من عدن و كان عدد الشهداء.اكبر في عدن قبل ان يسقط اي شهيد في الشمال ، تخلفنا عن الثوره بعد شهرين عندما شاهدنا ان الفسده والقتله انضموا الى الثوره مثل علي محسن و ال الاحمر و ادركنا عندها انه صراع عائلي و بالفعل تجسد هذا الامر بمبادره العار التي سنت سنه جديده لم تعرف في التاريخ وهي اعطاء حصانه للمخلوع اراد الاصلاح الوصول لسلطه وهذا ليس مايريد شعب الجنوب كنا نريد دوله عدل خاليه من كل لوبي 94 ، لذلك عدنا لتركيز.على جنوبنا بعد ان فقدنا الامل في تحرير العقل الشمالي الذي يتارجح مابين طرفين عفاش و ال الاحمر والذين هم المالك الرسمي لحزب الاصلاح بشكل غير مباشر.

  8. ياغفوري ماعاد نشتيش وحده يدخلوا الوحده المدبره جحر علي سالم وجحر العطاس وخلونا لحالنا وانصحهم لا ينسو الدنبوع العضيم الذي دخلنا في جحره وغلق يااخي ينفصلوا الله لا زدها وحده مامعانا منـِْهـا بطوننا نضيفه شانسير نتوحد مع جنوب السودان الذي مازلوا على هويتهم ولم يتنكروا لهويتهم يااخي بالعربي لنا الله

  9. أعتقد إن الحزب الاشتراكي الجنوبي ضللته النخب اليسارية العابرة للحدد والتي وصلت سريعاً لقشرة عقل الحزب عبر خطابها الديماغوجي ودورها النضالي الموهوم في اتساعاع قواعد الولاء للفكر الإشتراكي في الوسط – المخزون البشري في الشمال- جنوباً شكلت شعارت الوحدة البنية التكوينة للأجيال لأكثر من عقدين .ألا إن ضراوة الفكر الإشتراكي وتنكيله بالاقنومات الروحية في الجنوب خلق حالة من التعاطف تشبابه إلى حد كبير خطاء التقدير المعتزلي المقرب من دوائر صنع القرار في التنكيل بالإمام أحمد. في حرب 94 تكشفت ورق التوت عن وهم الولاء للفكر اليساري في الوسط ، وبالمقابل نجح علي صالح في استثارة النوازع الدينية واستمالة رجال الدين للانتقام من الاشتراكيين عبر قواعد الاصلاح المليشاوية والقبلية والعسكرية والجهادية .

  10. اعجبني
    – كان يريد الجنوبيون الفكاك من أسرة الأحمر، أي الانفصال، ويريد صالح الوحدة ولو بالدم، أي الثروة.
    – عام 99 خرج حزب الإصلاح للقول إن “صالح” هو مرشحه الرئاسي، مطالباً حزب المؤتمر الشعبي العام بالبحث عن مرشح آخر.
    – الان صالح يقع إلى الجوار من مشهد آخر: حكومة في المنفى، وجيشان تحت رايتين، وشعوب ثلاثة..

  11. مليشيات مروان غفوري في الفيس بوك تشن حملات الكذب والتضليل وتزيف التاريخ متجاهلة صمود الشعب اليمني أما أقوى وأكثر الضربات الجوية في تاريخ البشريةبل تزود قوات العدوان با إحداثيات لكي يتم ضربها با إعتراف العسيري

  12. الحراك الجنوبي كنت اظن ويظن غيري انه حامل حقيقي للقضية الجنوبية ولكن للاسف ثبت انه صاحب مشروع عنصري انتقامي خافت منه حتى التيارات الاخرى السياسية والفكرية في الجنوب فقد مارس الاقصاء والتغييب والتهديد والتشريد لمن يخالفه الرأي من اول وهلة ولا زال في بداية المشوار الشاق والطويل…

  13. عن مستقبل الوحدة اليمنية بعد التحرير (1/2)
    مروان الغفوري
    ــــــ

    وقفت المقاومة الجنوبية عند حدود الحادي والعشرين من مايو 1990، نالت قوات صالح والحوثي هزيمة مذلة في محافظات ومدن الجنوب، وتحديداً في عدن ولحج والضالع.

    استنفر اليمنيون في الجنوب كل طاقتهم، وتجاوزت مساهمة التحالف الـ220 طلعة جوية في اليوم. ألوية عسكرية كبيرة، وتشكيلات من القوات الخاصة، عصف بها على نحو شامل. خرج الحوثي إلى الشطر الشمالي من اليمن، وخاض الحروب على الحدود الشطرية مقدماً نفسه كقوة شمالية.

    سرعان ما خرجت مأرب والجوف عن سيطرته في الشمال، والتحقت بهم تعز بعد كفاح مرير. وهنت قوة الحوثي، وتكاثرت عليه الجبهات. فهو يريد العودة إلى تعز، وأيضاً مديريات لحج. غير أن الحشود العسكرية التي تزحف إلى صنعاء، أو تلك التي على تخوم الساحل الغربي تحدُّ من خياراته. في الوقت نفسه يغرق الجنوب في فوضى من كل شيء.

    كانت الوحدة اليمنية مجرد أغنية مدرسية، لكن انهيار الاتحاد السوفييتي والعزلة الإقليمية المحيطة بجنوب اليمن دفعت الساسة إلى التوقيع على عقد الوحدة. كان توقيعاً إداريًّا، إذ بقيت الجيوش منفصلة. مع الأيام حصل الساسة الجنوبيون على عروض أفضل في مسألة فك العزلة، فمالوا إليها.

    على الضفة الأخرى كان صالح أقل من مشروع وطني كبير، ولم يكن مع فريقه أكثر من جالية انتهازية لا تمانع من ضم المزيد من الأراضي. منذ الأيام الأولى حدث الاشتباك بين شريكي “العقد”، وصار صالح ينظر إلى الجنوب فيراه على شكل ثروات، أما قادة السياسة في الجنوب فراحوا ينظرون إلى الشمال بوصفه أسرة كبيرة اسمها “آل الأحمر”. تشكل الموقف النفسي للطرفين على هذا النحو: يريد الجنوبيون الفكاك من أسرة الأحمر، أي الانفصال، ويريد صالح الوحدة ولو بالدم، أي الثروة. بعد أربعة أعوام حدثت حرب كبيرة، اشتعلت أولاً على تخوم اليمنين السياسيين، وسرعان ما انتشرت في مديريات ومدن الجنوب. تمكنت القوات التي يقودها صالح من السيطرة على الجنوب، وفشلت في السيطرة على الأسباب التي أدت إلى اشتعال الحرب. بقيت المعادلة قائمة: الشمال أسرة، والجنوب بئر.

    نالت الهزيمة من الحزب الاشتراكي، أولاً. مع الأيام صارت الهزيمة تخص الجنوب. في صنعاء عدل صالح الدستور وخلق شبكته الكبيرة وعمل على تقويض السياسة على نحو متسارع، وصولاً إلى العام 1999 حيث فاز بالرئاسة بنسبة تجاوزت الـ95%. أفسد كل شيء، حد خروج حزب الإصلاح للقول إن “صالح” هو مرشحه الرئاسي، مطالباً حزب المؤتمر الشعبي العام بالبحث عن مرشح آخر.

    بيده القوية، التي يستخدمها على نحو جيد، أخفى صالح المستقبل شيئاً فشيئاً. بعد سبعة أعوام من هزيمة الاشتراكي في الجنوب وصف الشيخ الأحمر نظام صالح بالحيوان المفترس، ذي المخالب. كان تصريح الأحمر، عقب الانتخابات البرلمانية، يؤكد على أن الهزيمة التي منحها صالح للاشتراكي في العام 1994 صارت، آنذاك، هزيمة كل اليمنيين. وأنها كبرت لتنال من شركائه المنتصرين.

    في العام 2006 طلب اليمنيون الخلاص وراء مرشح جنوبي، بن شملان. فشل بن شملان في استخلاص شيء، أي شيء، من صالح، لكن اليمنيين اكتشفوا قدرتهم الجماعية الكبيرة. في العام 2007 ظهرت بوادر الثورة في الجنوب، وراحت توكل كرمان تلقي خطاباً في واحدة من مديريات الجنوب متنبئةً بثورة ستعم كل القرى في اليمن.

    استمر صالح في بناء مدرعته العملاقة، وتوسيع شبكته لتصل إلى أبعد مكان. وكانت مسألة وقت وحسب. فالملايين الذين يعيشون خارج شبكة صالح لم يعد لديهم من شيء ليخسروه سوى “الأغلال” بتعبير فرانس فانون. جاء العام 2011 فخرج الشمال على بكرة أبيه، وخرج الجنوب متردداً ووجلاً وشاكاً. فقد صارت تلك الرؤية التي تقول إن الشمال أسرة، بفعل الضخ السياسي المتواصل، تُشكل تصوراً مبدئياً لدى قطاع كبير من الناس. كانت ثورة 11 فبراير عملية يُراد لها أن تعيد تصحيح الأشياء الجوهرية والقطيعة الشاملة مع الماضي. وإن كانت 11 فبراير قد أقنعت، بقيمها، أغلب الشمال فإنها لم تبدد الشكوك لدى أغلب الجنوب.

    تخلف الجنوب اليمني، كما يعترف العطاس، عن ركب الربيع العربي، مستسلماً لتلك الرؤية الطفولية التي تقول إن الشمال أسرة متجانسة، وعليه فإن 11 فبراير ليست أكثر من قلق مؤقت داخل الأسرة الكبيرة..
    بعد عملية سياسية شاقة، ما بعد الثورة، قرر صالح الدخول في الحرب التي تردد حيالها كثيراً. استخدم كل شبكاته، من القاعدة حتى الحوثيين، وحول حزبه السياسي إلى حزب مسلح، ثم استخدم القوات المسلحة اليمنية إلى جانبه وخاض حرب أريد لها أن تكون مظفرة وخاطفة. سرعان ما جرت الأمور على غير النحو الذي توقعه صالح، ومالت الرياح بعيداً عن سفنه، وغرق في رمال اليمن وجباله.

    بعد عام يطل صالح على فيسبوك كاشفاً عن صورة لم يشهدها اليمنيون من قبل: تفكك حزبه، انسحقت قواته المسلحة، خرجت شبكاته من مدن الجنوب والشمال، وصار رئيساً لا يملك سكناً، ومداناً بقرارات دولية، وتلاحقه تهمة أممية بنهب مليارات الدولارات من قوت وثروة شعبه..

    هذا المشهد الأخير لرئيس عبث بالسلطة ثلث قرن، ثم خنق نفسه بها، يقع إلى الجوار من مشهد آخر: حكومة في المنفى، وجيشان تحت رايتين، وشعوب ثلاثة..

    “يُتبع”

    ـــــــــ

    المقالة منشورة في
    الوطن القطرية ـ هافنيغتون بوست

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى