كتّاب

عن رواية “جدائل صعدة” لـ “مروان الغفوري”…


عن رواية “جدائل صعدة” لـ “مروان الغفوري”
قديسة.. في مملكة الشياطين!.
د. صادق القاضي.
ــــــ

بمحايثتها لموضوع الثورة، وهو موضوع قل أن تمت مقاربته بشكل أدبي رفيع، شعرا وسردا، ومقاربتها لموضوع الحرب الأهلية في صعدة، وهو موضوع له حساسيته وضبابيته.. وتخلقها في فترة ثورية قلقة ومتوترة بشكل استثنائي، تكون رواية “جدائل صعدة”، لمروان الغفوري قد عمدت تميزها بأهمية من نوع خاص، كنتاج أدبي حار وطازج لحالة سياقية ملتهبة في الواقع.
تعمدت الرواية بغزارة تفكيك المحظور، ومناقشة المسكوت عنه، والتحرش بتابوهات الدين والجنس والسياسة، ما جعلها مجازفة روائية جريئة لعبور برزخ مفخخ بتابوهات الحب
والحرب، ومعالجة فنية بارعة لبيئة تقليدية شرسة ومتأبية حتى على الفن.

بعيداً عن ميتافيزيقيا الخطيئة السرمدية، والشعور المزمن بالذنب الأزلي. اتخذ المؤلف من الخطيئة مدخلاً للتوغل في أخاديد ونتوءات الحياة الواقعية، الخطيئة هنا عمود فقري سردي تتخلق حوله الأحداث والتداعيات، ونافذة فنية لرصد وإبراز مفارقات منظومة القيم المقلوبة الحاكمة لمجتمع غارق في كل ضروب الانفصام، مجتمع طبّع علاقته بكل أشكال الجريمة والرذيلة والاستبداد والقهر.. وظل مرابطاً على ثغور الجنس والجسد.!

الرواية تستدعي المرأة من مساحتها الهامشية في بيئتها الذكورية، لتجعلها في المتن، كمحور ارتكاز سردي لمعالجة التمايزات العنصرية التي تقوض الحياة، بدءاً بالتمايز النوعي تجاه المرأة، مرورا بالعنصرية العرقية والدينية والاقتصادية والاجتماعية ..
من نافذة الخطيئة أطل الراوي، ويطل القارئ على الآلام والآمال التي تغتلي في هوامش ومتون الحالة اليمنية الراهنة، ومعاناة المجتمع التقليدي مع مصاعب الحياة اليومية، وأغلال التقاليد والعادات السيئة، والتفكير الخرافي، والتعصب الديني، وكثير من النزعات الإنسانية الخيرة والشريرة على السواء، ومظاهر وظواهر الإسلام السياسي وتبعات وتكاليف العنف والحرب.
بطلة الرواية فتاة بسيطة من صعدة، عازبة يظهر عليها شكل الحمل، في مجتمع غارق بالرذائل والعاهات الفكرية والخلقية، يعتبر حمل فتاة عازبة مبررا بديهيا للتصفية والتخلص من العار، لكن المؤلف يقلب الأمر جاعلاً من مشكلة الفتاة نافذة للإطلال على عاهات المجتمع المرعبة، لتبدو البطلة أشبه بقديسة في مملكة الشياطين.

فنياً، بطلة الرواية تراسل المؤلف الذي يعيش في أوروبا، ويجيب عليها، وهكذا تترتب الرواية بين الصوتين كراويين في بناء روائي قائم على المراسلات الإلكترونية، بما يقدم معادلا أسلوبيا حديثا لأسلوب المراسلات التقليدي، ويعبر عن تشبع الكتابة الحديثة بثقافة الوسائط العصرية وتكنولوجيا المعلومات.

تتجلى الفتاة بأكثر من اسم وصفة، كما ينخرط المؤلف في الرواية باسمه الحقيقي، في حالة انشطار للبطلة واندماج للراوي، انشطار الفتاة بين الأسماء يعبر عن تخلق مستمر للشخصية ومعادلاتها الرمزية، واندماج المؤلف والراوي تنتهك الرواية ميثاق التخييل القائم على الفصل بين الاثنين.

على الهوامش يمكن ملاحظة القفز على المحددات الواقعية في رسم الشخصيات، كشخصية السلفي العاشق، واليهودي المنفتح في مجتمع مغلق، وحديث وتفكير بطلة القصة بما لا يؤهلها لهما مستواها الاجتماعي الثقافي، وهذه منافاة للواقعية.

كما يمكن ملاحظة الاستغراق في البعد السياسي، بدرجات متفاوتة من المباشرة، والتورط ببعض التحيزات الصغيرة، بما يجافي التوجه المفترض للرواية إلى الأكثر عمومية وإنسانية، وانحيازها ضد الظواهر وتعاطفها مع البشر كأهداف للأنسنة.

في المقابل توفرت الرواية عموما على الكثير من ملامح الجدة في الأساليب وأشكال البناء والسرد، بجانب جمال العرض وبراعة صناعة المتعة والتشويق، وغزارة الالتفات والتناص والاستشهاد مما عُرف عن المؤلف حتى في كتاباته الصحفية، من تقاطعات نصية مع أعمال وأسماء أدبية عالمية شهيرة، في احتجاج للفكرة وتعميدها بنسب شهير.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫23 تعليقات

  1. كنت قد قراءت رواية جدائل صعده بصيغه بي دي اف …ليش ما يكون متوفر ب المكتبات في اليمن…في قطر متواجد بشكل كبير كلمني صديق من هناك .. ليش !!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى