قضايا المرأة

. عندما تعرّضتُ للاعتداء الجنسي، قرّرت العائلة غسل شرفها بقتلي، واجتمعوا لهذا ال…


الحركة النسوية في الأردن

.
عندما تعرّضتُ للاعتداء الجنسي، قرّرت العائلة غسل شرفها بقتلي، واجتمعوا لهذا الهدف، بدأ العالم يتحوّل إلى “عصر الجاهلية”، وتحوّلت العائلة إلى قبيلة تريد القتل، عندما هزّتني أختي لتقول لي إنهم يريدون قتلي، صُدمت، ولم أجد ما أستطيع فعله، لا أن أدافع عن نفسي ولا أن أقول شيئاً حتى، فمن سيستمع لي؟
فاتجهت إلى الراديو وبدأت بالرقص، فلن يأخذوني على الأقل من هذه الحياة وأنا أبكي، وكانت هذه الحركة وحدها كفيلة بوضع اللوم علي، كانوا يريدون قتلي وأنا كنت أرقص

بعد ثلاثة أشهر دخلت إلى جنازته كالغريبة، كان صديقي الذي قضيت طفولتي معه، مات في حادث ولم تسمح لي العائلة بأن أخرج من البيت لأودّعه وهو ميت، جرّتني قدماي إلى هناك ولم أع شيئاً إلا وأنا أدخل بيته، ابتعد حشود الناس من أمامي حتى وصلت إلى نعشه، هناك نظرت إليه النظرة الأخيرة، بينما كنت أسمع الحاضرين يتساءلون: ماذا تفعل هذه هنا؟ أعذروني يا سادة جئت لأودّع صديق طفولتي

بعد ذلك لم يستمع لي أحد ولم أستمع إلى أحد، لم يكلمني أحد ولم أكلم أحداً، لقد أصبحتُ خفية فجأة. ذهبتُ داخل عقلي وغرقتُ به كثيراً، فقدتُ الثقة بكل الناس، وعقلي صار عبارة عن ماكينة طباعة تطبع الكثير من الأوراق الفارغة بلا هدف، وبقي كذلك لعدة سنين لم أستطع فيها إنجاز أي شيء في حياتي إلا بصعوبة بالغة وفقط المهم منه، وأنا عشت داخل عقلي أعاني من صداع مزمن، دقات قلب متتابعة وضيق في التنفس

لم نقل شيئاً للفراق الذي حصل بيننا، ولم أودعهم، ولم يودعني أحد عندما ذهبت إلى سفراتي الكثيرة هرباً من نظرات الدونية التي رموني بها، والتي لم أتقبلها ولا مرة واحدة، وهرباً من العرسان الكثيرين المُعاقين، أو خريجي السجون، أو الزوج الذي هربت زوجته منه مع رجل آخر، أو ربما الرجل الأكبر مني بعشرين عام، كلهم هربت منهم، حتى من الرجل الذي أحببته، فلم أعتقد مرّة أني قادرة على أن أقف في شيء ما بثبات.
كانت رغبتي في الوجود بعد التهديد بالقتل رغبة عارمة، كنت كمن خرج من قبر ويريد أن يتعرّف على الدنيا مرة أخرى بذاكرة جديدة، لكن كنت إذا وضعت مكياجاً أو ضحكت للحياة، لبست فستاناً أو شاهدت مسرحيات وأفلاماً، أو خرجت إلى القهوة مع الأصدقاء، كان الأمر بالنسبة لمن حولي كأني اقترفت ذنباً كبيراً، لقد حطمتني العائلة وأنا ما زلت على قيد الحياة، أتنفس!

هذا الاضطهاد وتلك الخيبة ناما معي سنيناً طويلة، حيث كنت أضع يدي في يدي الأخرى أطمئنها بأني معها، مع نفسي. وعندما كنت أبكي لليالٍ طويلة كنت أقول لنفسي لن أتخلى عنك، أعدها بثياب جميلة، بأكل طيب، بحياة مريحة

يتبع..

كتابة: #عزيزة_الخالد

.
عندما تعرّضتُ للاعتداء الجنسي، قرّرت العائلة غسل شرفها بقتلي، واجتمعوا لهذا الهدف، بدأ العالم يتحوّل إلى “عصر الجاهلية”، وتحوّلت العائلة إلى قبيلة تريد القتل، عندما هزّتني أختي لتقول لي إنهم يريدون قتلي، صُدمت، ولم أجد ما أستطيع فعله، لا أن أدافع عن نفسي ولا أن أقول شيئاً حتى، فمن سيستمع لي؟
فاتجهت إلى الراديو وبدأت بالرقص، فلن يأخذوني على الأقل من هذه الحياة وأنا أبكي، وكانت هذه الحركة وحدها كفيلة بوضع اللوم علي، كانوا يريدون قتلي وأنا كنت أرقص

بعد ثلاثة أشهر دخلت إلى جنازته كالغريبة، كان صديقي الذي قضيت طفولتي معه، مات في حادث ولم تسمح لي العائلة بأن أخرج من البيت لأودّعه وهو ميت، جرّتني قدماي إلى هناك ولم أع شيئاً إلا وأنا أدخل بيته، ابتعد حشود الناس من أمامي حتى وصلت إلى نعشه، هناك نظرت إليه النظرة الأخيرة، بينما كنت أسمع الحاضرين يتساءلون: ماذا تفعل هذه هنا؟ أعذروني يا سادة جئت لأودّع صديق طفولتي

بعد ذلك لم يستمع لي أحد ولم أستمع إلى أحد، لم يكلمني أحد ولم أكلم أحداً، لقد أصبحتُ خفية فجأة. ذهبتُ داخل عقلي وغرقتُ به كثيراً، فقدتُ الثقة بكل الناس، وعقلي صار عبارة عن ماكينة طباعة تطبع الكثير من الأوراق الفارغة بلا هدف، وبقي كذلك لعدة سنين لم أستطع فيها إنجاز أي شيء في حياتي إلا بصعوبة بالغة وفقط المهم منه، وأنا عشت داخل عقلي أعاني من صداع مزمن، دقات قلب متتابعة وضيق في التنفس

لم نقل شيئاً للفراق الذي حصل بيننا، ولم أودعهم، ولم يودعني أحد عندما ذهبت إلى سفراتي الكثيرة هرباً من نظرات الدونية التي رموني بها، والتي لم أتقبلها ولا مرة واحدة، وهرباً من العرسان الكثيرين المُعاقين، أو خريجي السجون، أو الزوج الذي هربت زوجته منه مع رجل آخر، أو ربما الرجل الأكبر مني بعشرين عام، كلهم هربت منهم، حتى من الرجل الذي أحببته، فلم أعتقد مرّة أني قادرة على أن أقف في شيء ما بثبات.
كانت رغبتي في الوجود بعد التهديد بالقتل رغبة عارمة، كنت كمن خرج من قبر ويريد أن يتعرّف على الدنيا مرة أخرى بذاكرة جديدة، لكن كنت إذا وضعت مكياجاً أو ضحكت للحياة، لبست فستاناً أو شاهدت مسرحيات وأفلاماً، أو خرجت إلى القهوة مع الأصدقاء، كان الأمر بالنسبة لمن حولي كأني اقترفت ذنباً كبيراً، لقد حطمتني العائلة وأنا ما زلت على قيد الحياة، أتنفس!

هذا الاضطهاد وتلك الخيبة ناما معي سنيناً طويلة، حيث كنت أضع يدي في يدي الأخرى أطمئنها بأني معها، مع نفسي. وعندما كنت أبكي لليالٍ طويلة كنت أقول لنفسي لن أتخلى عنك، أعدها بثياب جميلة، بأكل طيب، بحياة مريحة

يتبع..

كتابة: #عزيزة_الخالد

A photo posted by الحركة النسوية في الأردن (@feminist.movement.jo) on

الحركة النسوية في الأردن

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى