“علَيّا الطلاق بالتلاته … …”…


“علَيّا الطلاق بالتلاته … …”

من عادة السفهاء القَسَم بالطلاق فى أتفه الأمور. فها هو أحدهم يقول لزوجته: “عليا الطلاق بالتلاتة ما إنتى خارجة من البيت النهار دا!” أي أنه يُقسِم أمام الله والناس على تطليقها و تشريدها إذا إقترفت فعلاً تافهاً مثل الخروج من البيت. (بل أنه يستوفى شرطاً شرعيا لذلك الحكم بإختصار الثلاثة حلفانات فى واحد، وذلك بقوله “بالتلاتة”.) و ها هو آخر يقول لصديقه: “عليا الطلاق لتقعد تشرب معايا شاي!” ترجمة ذلك أنه يقسم ويتعهد بتطليق زوجته إذا لم يشرب صاحبه معه كوباً من الشاي.

سيقول قائل إن هذا القَسَم ما هم إلا جعجعة غير مقصودة بمعناها الحرفي، و لا أحد يطلق زوجته بالفعل على هذا النحو. قد يكون هذا صحيحاً و لكنه عذر لا يقل قبحاً عن الذنب … أي قدر من التفاهة و الاستهتار يحتاجه الإنسان لكي تَرِد على لسانه هذه الكلمات أساساً؟! كيف يساوى بين شرب كوب من الشاي و تطليق زوجته؟! و ما دخل زوجته فى الموضوع أساساً حتى يقسم أنه سيرميها فى الشارع إذا لم يشرب صديقه كوباً من الشاي؟! المسكينة ليس لها “فى الطور ولا فى الطحين”(*) كما يقول المثل الشعبي، … و لا دخل لها فيما إذا كان ‘التور’ الثانى سيوافق على القعاد مع ‘التور’ الأول (زوجها) أم لا.

أعرف أن القوانين قد تغيرت لتكبح جماح الذكر الأرعن إلى حد ما، وهو أمر نحمد الله عليه ونشكر سوزان مبارك على إستخدام نفوذها لتفعيله (**). لكن التهديد بالطلاق فى “الفاضى والمليان” ليس هو فحوى هذا التعليق. جوهر التعليق هو سلوك الشخص التافه تجاه من هم أضعف منه. هذا التعيس لا سُلْطة له على أحد فى الدنيا، فيتأمّر و يتفَرْعن على الكائن الوحيد الأضعف منه، وهي زوجته المسكينة. وهو لا يهددها بالطلاق فحسب، بل يرغمها على إرتداء ملابس تزيدها قبحاً على قبح، و على المشي وراءه بعدة خطوات كإعلان عن خضوعها وتبعيتها، و على الدفن بالحياة فى دنيا لا ترى النور، وغير ذلك من أحكام التعسف والتسلط التى لا مبرر لها سوى أنه يستطيع أن يفعل ذلك دون أن يردعه رادع.

هذه هي مأساة البلاد المتخلفة – السلطة الذكورية الرعناء التى لا قيد عليها ولا حدود. صحيح أن الرجل العاقل الخلوق يمارس سلطته بحكمة، و قد يختار ألا يمارسها على الإطلاق. لكن ليس كل الرجال عقلاء، و الرجل التافه السفيه سيفرض على نسائه وبناته أحكاماً تعسفية مهينة، لا لسبب سوى أنه يستطيع أن يفعل ذلك دون وازع أو رادع.

أحيانا لا تكون الضحية مجرد زوجة المتعوس أو بناته، فقد تكون لذلك الشخص سلطة أوسع – ربما على تلميذات تحت رعايته، (كما شهدنا مؤخراً فى إحدى القرى المصرية.) عند ذلك يتحول الأمر من مأساة عائلية إلى مأساة مجتمعية أو حتى قومية. لذلك لا تترك المجتمعات المتحضرة مصائر بناتها تحت رحمة سفيه لديه سلطة، (حتى لو كان زوجها أو والدها أو مدير مدرستها،) بل تستن قوانين واضحة تضمن للإناث حقوق المواطنة غير منقوصة.
_____________________________
*) ‘الطور’ أو ‘التور’ فى العامية المصرية هو الثور، أي ذكر البقر أو الجاموس، و هو يمثل فى الخيال الشعبي مزيجاً من العنفوان الذكوري و العنطزة و الغباء.
**) إستغلال النفوذ عموماً شيئ سيئ، لكنه فى هذه الحالة كان لهدف نبيل.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version