كتّاب

طه حسين والأزهر (2 من4)…


طه حسين والأزهر (2 من4)
عندما ولد:: “طه حسين على سلامة” فى 14 نوفمبر سنة 1889، كان الإنجليز قد احتلوا مصر منذ سبع سنوات قضوا فيها على منافذ التعليم الحكومى المجانى أمام الفقراء، وأصبح التعليم كله بالمصروفات، كما قضوا على إمكانية عمل مشروع قومى لنشر التعليم كما شهدت أواخر عصر اسماعيل، ولذلك لم يعد أمام الفقراء إلا الكتاتيب لحفظ القرآن وتعلم مبادئ اللغة والحساب، ثم الأزهر لمن يود مواصلة تعليمه، وكان طه حسين واحد من هؤلاء الذى كان أبوه يحدثه: هل أعيش حتى أراك شيخ عمود فى الأزهر؟، وكان قد سبقه إليه أخ أكبر من إخوته كانت القرية كلها تنتظر مقدمه فى إجازة الصيف ويفاخر به أبيه، حتى زف أبيه إليه بشرى سفره إلى الأزهر بعد أن فصل له “جبه وكاكولة” وهكذا شعر الفتى بأن آماله قد تحققت وأن الدنيا قد دانت له، والقطار يحمله إلى القاهرة فى خريف سنة 1902، ودعاه أخيه ذات صباح لمصاحبته لدخول الأزهر فيقول: خلع نعليه وخالف بينهما وخطى الهوينا على تلك الحصر البالية المبسوطة التى تنفرج عما تحتها من الأرض كأنها تتيح لأقدام الساعين عليها أن تنال “البركة” بلمس هذه الأرض المطهرة، وراح الفتى يحضر حلقات الشيوخ فى الأزهر فيرضى حينا ويسخط أحيانا، يرضى إذا كان الشيخ لطيفا عميقا واسع الصدر طويل البال يسمح لطلابه بالتساؤل والتعبير والإختلاف، ويسخط إذا لم يكن يفعل الشيخ الأستاذ شيئا سوى قراءة كتابه المقرر، فيبدأ درسه ب: قال المؤلف رحمه الله ثم يروح يقرأ الصفحات دون توقف حتى ينتهى إلى موضع عينه قائلا: انتهى، ويسخط إذا كان الشيخ عنيفا ضيق العطن لا يسمح بسؤال ولا مناقشة، وكان القبول فى الأزهر بلا أى مصروفات، وإنما يشترط الذكورة والبلوغ وحفظ القرآن الكريم، وترك يوم امتحانه فى حفظ القرآن فى نفسه جرحا غائرا، فبينما ينتظر دوره سمع هذا الصوت الغليظ لشيخ من لجنة الامتحان ينادى: “أقبل يا أعمى” وكان هذا الوصف أشد مايكرهه الصبى فتجهم وغضب حتى أخذ أخوه بيده ليضعه أمام اللجنة ليفاجأ بامتحان تافه يسير يكتفى فيه بترديد الآيتين الأوليتين من سورة الكهف وسورة العنكبوت، وأعاد الصوت الكريه الكرة وهو يقول للصبى: إذهب يا أعمى فتح الله عليك، ومع هذا واظب الصبى على حضور ما يحب من الدروس وكانت المواد التى تدرس بالأزهر أربعة مواد أساسية هى الفقه والتوحيد والمنطق والنحو كان لابد للطلاب جميعا من الحضور فى حلقة منها، وكانت هناك مواد ثانوية هى: الحديث والتفسير وأصول الفقه والبلاغة والأدب والقراءات وطبعا لكل مادة من هذه المواد كتبا متعددة تتراوح بين الصعب والعميق والذى لا يقدر على تدريسه أو دراسته إلا أولى العزم من الشيوخ والطلاب، وماهو سهلا ويسيرا يسيغه اى طالب، والكتب تلك يشتريها الطلاب من دكاكين الوراقين حول الأزهر
وانتهت السنة الأولى للصبى فى الأزهر فعاد فى الصيف إلى قريته وقد اكتسب ثقة شديدة فى نفسه ولم لا وقد أصبح رسميا من “المجاورين” الذين يعرفهم الناس فى القرية ويكبرونهم، وبعد أن إنتهى أبيه من صلاته راح ككل الصوفية يقرأ بصوت عال من “دلائل الخيرات” وهو أحد أوراد الصوفية التى ألفها صوفى مغربى منذ ستة قرون، فاستمع طه حسين مليا ثم قال لابيه: إن ما تقرأه فى الدلائل عبث لا غناء فيه، فرد أبيه غاضبا: أهذا ما تعلمته فى الأزهر؟ فقال بثقة: نعم، وتعلمت أيضا أن كثيرا مما تقرؤه فى دلائل الخيرات حرام وتضر ولا تنفع، وأن التوسل بالأنبياء والأولياء فهو لون من الوثنية”، وراح يردد رأيه الغريب فى غير مكان، حتى راحت القرية تتعجب من هذا الصبى الجرئ المتمرد

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى