كتّاب

صباح الخير يا الله…..


صباح الخير يا الله..
صباح الخير أيها الجميل وأنت تشع في الشغاف وتملأ فراغات الروح بك.
ما أسعدني بك وأنت تغمس لحظات خيبتي الباردة في دفء أكواب رحمتك كما يغمس الأطفال بسكويت أبو ولد في حمرة وحرارة الشاي في بلدي اليمن.
أكتب إليك إلهي بحب، وبلا توجس من أحد، أكتب وأنا أعلم أنك تقرأ من بياض القلب قبل زرقة الفيسبوك، أكتب ولا أراعي علامات الترقيم ولا تعليقات الكلاب المسعورة التي تعض الكلمات وتنهش الأغاني وتلحس أذناب بعضها، أكتب إليك يا ذا الجلال والجمال بشغف المولّه وحنين الغريب إلى خبزة أم وقهوة جدة وهواء وطن وغبار الطريق إلى البيت ومواء قطة الجيران حين تناغيها حسناء.
إلهي لقد تعبت من كل ما تعلم، لست قرن ثور لأحمل الأرض ولا قائد عربي لأحمل العار ولا نعجة في قطيع لأحمل أخطاء أسيادي ولا أنا رجل دين لأحمل اسمك كحجر أهشم به رأس كل من تجاوزني إليك..
أنا واحدة من قصائدك القديمة فلا تدع دهشتي تخفت،أنا صورة في دفتر الرسم فلا تسيح ألواني وقد أبدعتها يد روعتك، وأنا ظل الشجرة التي زرعتها جدتي على الطريق وجرة الماء تحت الشجرة والماء البارد في الجرة وظمأ العابرين ورواء الراعيات حين يتركن رائحة التعب والغواية على حافة كأس الفول وعنق الجرة وفي أغصان الشجرة كزهر بألوان قوس قزح.
يا الله يا الله، إجعل كلماتي هذه سلالما إلى أعاليك، أصعد فيها كدعوة أم وأعود كاستجابة مباركة، وقد ملأت جيب قميصي بلطفك ورضاك، وملأت شنطة يد زوجتي بما يكفي من البسالة ورباطة الجأش لتحافظ على هدوء أعصابها كلما رأت صرصورا في البيت، وملأت مرقد صغيري بالضوء والبرتقال والعافية، وملأت بيتنا بالحب وبلادنا بالسلام وقلوبنا بك، ألا ترى كم هي مطالبنا تافهة وعادية!
إلهي أحدثك الآن من غرفة نومي لا من محراب، أحدثك بأصابعي من على لوحة المفاتيح لا عبر مكبرات الصوت في الجامع الكبير بصنعاء، أحدثك بواسطة تلفون أندرويد تسبب لي في الكثير من الخصومات والشتائم وخسارة الأصدقاء، إذ كلما قلت رأيا رشقني مخالفوه بأحذية أسيادهم الذين يعبدونهم من دونك، بالأحذية التي يلعقونها، وأنا لا أشكو إليك هنا من الأحذية بل من لعاب العبيد عليها. لا أعلم لماذا أحدثك الآن عن هذه الأشياء التافهة في حين يتوجب علي تفهم مشاغلك، لكنني وبصراحة؛ أتصرف معك ببراءة طفل دخل على والده في العمل وراح يحدثه عن أمه التي كسرت ثلاجة الشاي واتهمت بها طفلها وراحت تركض خلفه وتهدده بفرك أذنه ومنعه من مشاهدة مسلسلاته الكرتونية والتقاط السلفيهات بتلفونها الفخم، وأنا الطفل، أنا أكذب ولقد حطمت الثلاجة والأكواب وزجاج النافذة ومرآة العائلة وشاشة الهاتف المحمول.. فهل أستحق العقاب بينما يسرح ويمرح بأمان وطمأنينة أولئك الأوغاد الذين حطموا زجاج أيامنا وأغلقوا نوافذ المستقبل بالمتارس والبارود وكسروا غصن السلام وسملوا عيون الحياة وهدوا سطح الأمل على رؤوس الحالمين ونسفوا علاقتنا بك، ولولا ما نجد منك في أنفسنا لأنكرناك كما أنكرناهم.
صباح الخير يا الله..
أنا لا أشرب القهوة في الصباح وبالتالي أسمع فيروز كيفما اتفق وأجدك هناك، ولا يروقني الحديث بعمق ومطالعة الجرائد أو ممارسة الرياضة صباحا، أصحو بعد الثانية عشر غالبا وأغفر للذين لم تغفر لأنيابهم الناشبة في جسدي، أرجوك سامح الحمقى لكن لا تسامح نذالة الأصدقاء الذين تركوا ندوبا في جدران بيوتهم لكي يقول عنهم مندوب الجماعة أو الحزب أو عائلة السلطان إنهم مخلصون للوطن الذي يختصرونه في دائرة لا تتسع لحرف لا في وجه أنانيتهم.
صباح الخير يا الله.. صباح الخير على هذه الرسالة التي سيلعنها المتابعون خوفا على الله منها وهي إليه.. صباح الخير على الرسائل التي لا يرد عليها أحد.. وعلى الدموع والحشرجات التي لم تخرج.. وعلى الراعيات وهن يحتزمن بصفرة الشروق كطوق ذهب حول خصر ملكة.. وعلى المحاربين الذين يملأون المسافة بيننا وبين الموت بأرواحهم النبيلة.. وعلى المدارس الحزينة التي تحولت إلى أنقاض أو مقرات حزبية أو مكاتب للمجرمين.. وعلى الملائكة الذين أتعبهم السهر على خطايانا وناموا قبل رصدها كاملة.. وعلى اليمن .. صباح الخير على اليمن وعلى صنعاء وجميلاتها اللدنات اللواتي ينمن على بطونهن حتى منتصف النهار.. وصباح الخير على صباح الخير

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى