توعية وتثقيف

سنة ٧٤ (وربما ٧٥) كنت ألقى محاضرة فى كلية الهندسة…


سنة ٧٤ (وربما ٧٥) كنت ألقى محاضرة فى كلية الهندسة الالكترونية. قاطعنى شخص لا أعرفه يؤذن للصلاة بأعلى صوته على عتبة باب المدرج. توقفت المحاضرة، وساد المدرج الوجوم حتى إنتهى المؤذن من مهمته. لم يكن مثل هذا قد حدث لأي من الأساتذة الآخرين، مما يشير إلى أن المقصود كان تحدى أستاذ قبطي بالذات. (هذا على الرغم أن زملائى، وحتى بعض الطلبة، كانوا يعلمون أن الإنتماء الطائفى لم يكن يشكل أي جزء من هويتى – لا وقتها، ولا قبل ذلك ولا بعده.)

تحدثت مع عميد الكلية عن الحادثة؛ وكان، رحمه الله، رجلاً شريفاً مستنيراً، كلمته بالنسبة لى بمثابة وثيقة لا أشك فى صحتها. قال لى ما معناه: “بصراحة يا فريد عندى تعليمات ‘من فوق’ بأن لا نتعرض لهذه الجماعات ولا نضيق عليهم، بل نعطيهم ما يطلبوه …”. حسمت هذه الواقعة قرارى بأن أترك البلد.

لم تكن تلك هي الحادثة الوحيدة، ولا كانت هي السبب الوحيد، لكن تأثيرها على نفسيتى كان درامياً. وتأكيد هواجسى من شخص كنت أحترمه وأثق فيه لم يترك عندى مجالاً للتردد. تشاورت مع صديق حميم متمرس فى شؤون الدنيا (كان فى عائلته إخوان وشيوعيون وكل صنف بينهما.) قال لى، رحمه الله: “دى البلد إللى هم عايزينها. إنت إللى فيها غريب.”

لم يكن ذلك هو السبب الوحيد ولا حتى هو الأهم: كان يؤرقنى كثيراً الشك فى أن ما تعلمته له قيمة حقيقية، وفى أننى أستطيع إنتاج أشياء يريد الناس أن يدفعوا فيها نقودهم بإرادتهم الحره؟” فلم يمض عام حتى كنت فى وادى السيليكون، فى خضم الثورة التكنولوجيه، منخرطاً فى عمل علمي حقيقي، وفى إنتاج أشياء ساهمت فى تغيير حياة الكثيرين.

أعترف هنا أننى لا أكن للسادات أي قدر من التقدير. ولا أشك فى أنه كان سبب ما أحاق بمصر من تخلف حضاري مؤلم. لكنى أشكره على دفعى لإتخاذ تلك الخطوة التى أعادت لى ثقتى فى قيمتى، وفى قيمة العلم الذى تعلمته.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫39 تعليقات

  1. هذا تاريخ مصر مع العسكريين ليس لهم اي هويه
    يتخذون خطوات غير مدروسه بدون خبره بدون مشوره
    والعاقل منهم يخرجونه بالفضائح والكيد
    ما فعله العسكريون و ما سيفعله لن تنجو منه عشرات الاجيال القادمه.

  2. When I realized that Egypt was sold to Wahhabi and I heard one History Professor saying with tears the great Egyptian history, they turned it to dust, I decided to leave for good to live and raise my kids in a free country and not subject them for the insult everyday, Sorry my dear Collogues the graduates of the Faculty of Electronic Engineering to say that No future is expected in this country with the Salafi gangs dominating the atmosphere, Thank you Professor Dr. Farid Matta for being a role model for all of us.

  3. تلك المياه لم تزل تجري في بلدنا بل و تعددت روافدها فإن لم يكن التشدد و الظلام وجدنا التسفل و القبح و الرداءة…

    خيرا فعلت يا صديقي و طوبي لكل من التمس قاربا للنجاة.. ولا عزاء لنا نحن الغرقي :(

  4. كل احترامى وتقديرى لأستاذى العظيم بغير منازع والذى تتلمذت على يديه وبالتحديد سنة ١٩٧٥ وذلك خلال الفترة التى قضيتها من ٧٣ وحتى تخرجى ٧٨….وطبعا اتفق مع كثير مماقلته سيادتك

  5. جميله القصه د فريد. دائما منتظرين المزيد
    كويس انه عمل الاذان بس
    ومااقمش الصلاه داخل المدرج
    كان عندي صديق في اسيوط عام ٧٨/٧٩
    اسمه اسحق يعقوب اسحق يعقوب
    اسمه رباعي كدا
    متكرر
    دخل عند دكتور من الجماعه امتحان شفوي ساله اسمك ايه
    قاله اسحق يعقوب
    ساله اسم جدك
    قاله اسحق
    قاله عارف لو اسمك الرابع. يعقوب. هاعمللك ايه
    قاله. اه اسمي الرابع كدا يعقوب
    قاله بره. ساقط 🤣🤣

  6. ما قمت به سيدى كان هو احياء لنفسك وحسنا ما فعلت لان هذه الفترة مؤلمة لنا فأنا كنت فى هذه السنة٧٥ فى السنة ثالثة بجامعة القاهرة ولن أنسى الألم مما كانت تفعله تلك الجماعات وما تفعله معنا من مطارادات واعتداءات بالقول والفعل تحت سمع وبصر المسؤلين من الجامعة والامن وازدادت الحالة وانتقلت من الجامعات إلى المجتمع واننا الآن تحصد ما فعله هؤلاء ومن سمح لهم من رؤساء وامن ومخابرات اثرت بل كادت أن تمحو هويتنا وشخصيتنا المصرية

  7. مقال مؤلم جدا. يعبر بصدق كاشف عما الم بمصر منذ منتصف السبعينات. في هذا الوقت اتفق كمال ادهم ( رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت وشقيق لزوجه من زوجات الملك فيصل السعودي ) اتغقا علي توهيب مصر وفتح السعوديه للعماله المصريه ، سلاحان ماضيان واحد للتخريب من الداخل والاخر لضمان استمرار التخريب. لم يعد كل ذلك خافيا فيمكن معرفه أجزاء من الحقيقه واستشرافها من مستندات
    الخارجيه وآلامن القومي الامريكيان و التي رفع عنها شرط السريه بعد مرور ٤٠ عاما علي وقوعها. يظل موقف عميد الكليه ، رحمه الله علي اي حال، يمثل سلبيه خطيره لدي من يمكن تسميتهم بالصفوه المثقفه. تلك السلبيه التي نعاني من انتشارها وتعد واحدا من اهم اسباب ماوصلنا اليه من تخلف.

  8. كان التخريب متعمدا … وكان الهدف أن يدفع الدولة إلى الهاوية وإغراقها في تبعية مقيتة للبترودولار …. ولأن أحدا لم يهتم .. ولم يتصدى للطوفان … فقدنا هويتنا

  9. البداية كانت عام 70 وكنت في جامعة القاهرة . وكانت مجلات الحائط مملؤة بأفكار جديدة وغريبة علي مصر وشعبها بكل معتقداته المتسامحه . كانت أفكار ومقالات وسموم تدعو للفرقة وتنتقد هويتنا المصرية العريقة البسيطة المتسامحة وكان ذلك بسماح من الدولة . لمواجهة التيارات اليسارية وكان لهذه السياسات تداعيات خطيرة مازالت مصر تعاني منها حتي الآن
    .

  10. د فريد
    لم يسعدني الحظ ان اكون تلميذ حضرتك لان اخر دفعة حضرتك درست لها كانت دفعة تخرج ١٩٧٨ وانا كنت الدفعة التالية ١٩٧٩ لكن عرفت حضرتك مثال الالتزام والعلم والانضباط
    تحية لحضرتك من منوف

  11. من المفيد ان تستمع الي أحداث شكلت الحياة التي نعيشها في مصر، من وجهة نظر علمائها وطبقتها المثقفة والمسؤلين التنفيذيين في هذا الوقت. لا أعلم ان كان السادات ظالمًا أم مظلومًا أم ظلم نفسه في فتح مصر مرّة واحدة علي العالم الخارجي. فالشعب المصري لم تتشكل هويته الثقافية بالدرجة الكافية التي تحميه من غزو الثقافات المختلفة من أقصي اليمين الي أقصي اليسار والتحرر، فكان التعصب في كل شئ حتي آلت الأمور الي ما هي عليه الان. ولكن الان كل الامور أصبحت مكشوفة للعيان وأصبحنا علي أول طريق النهضة إن شاء الله

  12. Farid Matta .
    استاذي الدكتور فريد .. مساء الخير
    أنا تخرجت من منوف دفعة نوفمبر ٧٢ ، و دفعتي اصلا دفعة ٧١ .. Industrial Electronics
    طبعا وقتنا لم يكن هناك أي نشاط من هذا النوع بين الطلبة يمكن كان فيه منهم ولكنهم لم يستطيعوا إظهار ما لديهم من انتماء .
    حفظكم الله و بارك في صحتكم دائما .

  13. السادات بإعاذ من امريكا وبريالات السعودية استطاعوا نشر وسيطرة الفكر الوهابي للقضاء علي الفكر اليساري والناصري بين الشباب حتي انتشر أبناء البنا . وتكاثروا وترعرعوا وسيطروا علي النقابات وانتشروا في كل مفاصل الدولة في عهد فساد مبارك لتوريث ابنة ….

  14. Thanks for sharing your experience..
    Myself being an Egyptian although I love Egypt so much but could not survive the social discrimination and that women are not treated with the way they deserve by 90% of men in the society…left to the US ..
    Although I achieved the American dream but still there in my heart the Back to Egypt dream
    I think that era the seventies till today is responsible for a lot of people escaping from the social discrimination

  15. والله يا استاذي الفاضل لا استطيع التعبير وانا كنت طالب كم كانت العلاقه بينكم وبين الطلاب كانت مثلا عاليا في الاحترام والتقدير وكم كنت حريص علي العطاء وكنت احس بأنك اب لنا حريص علي الاهتمام بابناءه كانت ايام جميلة حقا.

  16. اعتقد يا استاذي دكتور فريد ربما كانت عام 76 لان في فترة وجودي حتى عام 1975 لم نشعر بهذه الفئة في منوف .. وكنا اسرة ابناء الصعيد التي كنت اترأسها نقيم حفلات ذكرى ميلاد عبد الناصر بكل اريحية وافتتاح للاحتفال نهارا بصحف ومجلات ارشيفية عن الفترة الناصرية .. وحفل غنائي مساء كان يحيه اتذكر منهم عبد اللطيف التلباني وفاتن فريد .. وكان يفتتحها د. يحيى طنطاوي يرحمه الله.. ومازلت احتفظ ببعض صورها .. مساك الله بالخير استاذنا الفاضل ..
    اتذكر حتى 1975 لم يكن للجماعات وجود في هندسة منوف ..

  17. ١٩٧٤ بداية صعودهم و انحطاط الدولة و المجتمع المصري. السيطرة علي الاتحادات الطلابية و ترهيب من ليس منهم و الحجاب و الذقن و الذبيبة و المنشورات و الفصل بين الطلبة و الطالبات و منع حفلات الترفيه و خضوع الاكثرية طلبا للسلامة.

  18. السادات اخرج العفريت من القمقم ولم يعرف كيف يعيده اليه !
    اراد ان يضرب بالجماعات المتطرفة اليساريين والناصريين ، فأنتهوا بِه وقتلوه فى وسط جيشه !!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى