سمعت حديثاً عن توأمة الجامعات المصرية مع جامعات أوربية بهدف …


سمعت حديثاً عن توأمة الجامعات المصرية مع جامعات أوربية بهدف رفع مستوى التعليم. لا أعرف بالضبط ما هو المقصود بالتوأمه، لكنى أخمن أنها إقامة علاقة وثيقة تهدف إلى أن تصبح الجامعة المصرية نسخة من شقيقتها الأوربية. من الصعب تصور أن أوكسفورد أو هايدلبرج ستتحمس لأن تكون توأماً لجامعة طنطا مثلاً (حيث لا تستطيع أن ترى وجوه بعض الذين تتعامل معهم). لكن إذا إفترضنا (جدلاً) أن هذا حدث، هل هناك إحتمال أن يأتى بأية ثمار؟

يقضى الطالب فى الجامعة ربما ٦ ساعات من اليوم، ثم يقضى فى مجتمعه ال ١٨ ساعة الباقيه. إذا كان المجتمع يُخرّب فى ال ١٨ ساعة ما تفعله الجامعة فى ال ٦ ساعات، هل ستفرق إذا كانت تلك الجامعة مُتَوْأمة من عدمه؟

قد يعلموه فى ال ٦ ساعات أن يحترم المنهج العلمي ويفكر نقدياً ويشك فى ما لا يمكن ملاحظته بالتجربة. ثم يتولاه المجتمع فى ال ١٨ ساعة الباقية بتقاليده ومُثُله وفضائياته وميكروفوناته ليدحض كل هذا، وليغرس فيه أن الدنيا تحكمها أرواح وجن وعفاريت، وأن النجاح يأتى بدعوات الأولياء والقديسين، وتقبيل أيادى المشايخ والقساوسه، وبتملق من منّت عليهم السماء بنعماتها، والعبرة بمن تعرف لا بما تعرف … إلخ. من يا ترى سيكسب هذه المباراة – الجامعة التى توأموها مع كمبريدچ أم أولئك الذين تملكوا هذا المسكين روحياً ووجدانياً وتولوا تشكيل فكره وعقله وهو بعد رضيع، ولم يتركوه يوماً فى حياته بدون شحنة إضافية (booster shot) من الخرافات؟

قد تتعلم الطالبة أثناء ال ٦ ساعات إنها إنسان كامل، وأن الفروق بينها وبين الرجل ما هي إلا فروق فسيولوجية بسيطة لا تؤثر على القدرات الذهنية والقياديه. ثم يتولاها المجتمع فى ال ١٨ ساعة الباقية بتقاليده وتليڤزيوناته ومكبرات صوته و و و … ليغرس فيها أنها ناقصة وتابعة وعورة. من الذى سيكسب فى هذه المباراه – جامعتها التى توأموها مع السوربون، أم دعاة التخلف الذين تربت منذ نعومة أظافرها على تقديسهم وتبجيلهم وتقبيل أياديهم؟

خلاصة الكلام: الجامعة جزء لا يتجزأ من المجتمع، ولن يجدى إصلاحها إلا فى نطاق برنامج إصلاح ثقافي وحضاري يشمل المجتمع بأكمله، بقوانينه وإعلامه ومُثله وقيَمِه. ونحن نعلم أن هذا ممكن، فقد حدث بالفعل فى ماضى ليس ببعيد – بين سنة ١٩١٩ وسنة ١٩٧٠.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version