الأقيال

ســــــــلـسلة التنوير الاســــــــــلامي 199…


ســــــــلـسلة التنوير الاســــــــــلامي 199
حقيقة تدوين التاريخ الاسلامي

مصطفۍ محمود

سأحاول النّظر إلى ما جرى وفق المنظور الإنساني الإسلامي (الوطني)، وأرجو أن أوفّق في ذلك.
نقل أحداث التّاريخ من حيث الصّدق والكذب.
ورث محمّد رسول الله من أهل مكّة قبل الإسلام فضيلة الصّدق، وتحرّي قول الحقيقة، وشدّد على تجنّب رذيلة الكذب، لكنّ كتبة التّاريخ الإسلامي لم يكونوا “كلهم” صادقين، ولم يستبعد ان (اغلبهم) من العجم الحاقدين علي العرب وأثرّت بهم قومياتهم ، فكتب بعضهم ما أراد وما يخدم قوميته وابتعد عن الحقيقة، وأعقب ذلك الجيل، أجيال أخرى أخذت ما كتب هؤلاء، وكأنه حقيقة لا تقبل النّقاش، ليصبح لهذه الكتابة قدسيّة يصعب محوها، وهذا يفسِّر التّناقضات الكثيرة فيما رُوي من أقوال وأفعال محمّد رسول الله ورفاقه الأوائل، ليكون أساساً للإسلام والتّاريخ الإسلاميّ.

لم تكتب أخبار محمّد رسول الله وصحبه في زمنهم، كما كتب القرآن، بل أُلّفت معظم كتب التّاريخ العربي الإسلامي في: 1- زمن الدّولة العباسيّة.ـ 2- بعد سقوط الدّولة العباسية على يد ”ابن العلقمي” وهولاكو. لذا تقسم معظم كتب التّاريخ إلى ثلاثة أقسام رئيسة، الأوّل ـ هو ما يتحيّز للعباسيّين والعلوِيِّين ويعادي الأمويّين، ويحقد عليهم، ويزيّف أعمالهم ومواقفهم، ويشوّه سيرتهم، ويطمس كل حسناتهم، ويبرز سيئاتهم، ويختلق عليهم ملايين الحوادث السّيئة الظّالمة الرّديئة، الخارجة على الإسلام، والأعراف العربيّة، والسّليقة البشريّة المستوية.

هذه الكتب نفسها تمرّ مرّ الكرام على الخلفاء الرّاشديّن الثلاثة “أبو بكر، عمر، عثمان) فلا تذكر إلّا الأعمال والمناقب المشهورة التي لا تستطيع التّلاعب بها، تلك الكتب كتبت في العصر العباسيّ الأول. ومن سماتها أنّها تتحيّز بشكل واضح للعلويين وللعباسيّين المؤيدين لهم ،كالمأمون، والمعتصم، وتشوّه أو تغفل فترة الرّاشديّن والأمويّين، وتمرّ مرور الكرام على بعض الخلفاء العباسيين. وهو ما كتب في العصر البويهي بالذّات. “القرن الرّابع الهجري”.
أما النّوع الثّالثّ ــ من الكتب فما يتحيز للعلويّين وحدهم ويعادي الأمويّين والعباسيّين والرّاشديّن ويشوّه أخبارهم، وهو ما كتب بعد تدمير بغداد على يد ” ابن العلقمي” والمغول، ومازال مستمرّاً عند البعض إلى حدّ الآن، وبخاصة في العراق، وإيران ولبنان. ـ إذن فعندنا فئة وقف المؤرخون منها موقفاً عدائيّاً واضحاً، في جميع عهود كتبة التّاريخ وهي الأمويّون، فشُوّهت أخبارهم كليّة، ولوّثت صفحتهم، فبتنا في وضع لا يمكننا التّأكد، من أيّ رواية رُويت عنهم إلّا بالتّفكير المحايد، ومناقشة الأخبار عقليّاً ومنطقيّاً وتنقيتها.

أما العباسيّون فقد شوّه تاريخ معظمهم أيضاً، ولكنّ بشكل أقلّ من الأمويّين. وهذا ينطبق على الرّاشديّن كذلك، ولهذا يجب على كلّ من يريد أن يعرف الحقيقة، أن لا يصدّق أيّ رواية من دون تمحيص.
لم يقدّر للتّاريخ العربيّ الإسلاميّ أن يكتب بشكل محايد إلا على يدي( ابن خلدون) ، وبعض الشّذرات عند الطّبري وابن الأثير وغيرهم، لكن ابن خلدون لم يتناول كلّ صغيرة وكبيرة، لذا بات علينا أن نعتمد على تفكيرنا، وأن لا نقبل أيّ شيء غير منطقيّ، ومن دون محاكمة، أو لا ينسجم مع مجرى الوقائع الثّابتة.
أما المؤرخون المعاصرون فينقسمون إلى قسمين. اختلفت بالقسم الأوّل السّبل، وأثرت عليّهم المبادئ الحديثة من ماركسيّة وليبراليّة، وطبق بعضهم مقاييس، حديثة وبشكل تعسفيّ على الماضي، وخرجوا بنتائج متطرّفة شاذة، بينما لم يستطع القسم الثّاني تجاوز انتماءه السلالي والمذهبيّ والطّائفيّ قطّ. إذاً فكيف نعرف الصّحيح من الخطأ فيما روي بهذه الطّرق المشوّهة؟ هنا أيضاً لا بدّ من اتخاذ مقياس إنسانيّ، شامل يعتمد على التّفكير الحرّ والقياس للوصول إلى الحقيقة، وكما ذكرنا من قبل، فبالرّغم من تحيّز المؤرخين القدامى، وتبعيتهم للسلطة الحاكمة، والأهواء السّياسية، فقد سجّل بعضهم وقائع قليلة بشكل مجرد من الانحياز، يمكن أن يتلمّس منها المرء بعض الحقائق. ليؤكّدها فيما بعد بالبراهين.
التّثبيت
يتبع…

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى