كتّاب

ستعرف عظمة الأب حين تصبح أبا…..


ستعرف عظمة الأب حين تصبح أبا..
ستعرفها ابتداء من تلك اللحظة التي يمسك فيها ابنك البكر حديث الولادة بقبضته الصغيرة أصبعك ..
وبمجرد تفجر مشاعر الأبوة في أعماقك لحظتها..
سيكون وجه أبيك أول وجه يلوح أمام عينيك لن يبقى سوى وجهه أمامك حتى وإن كان غائبا وستتلاشى كل الوجوه حولك
ستغدوا كل ملامح الحاضرين في غرفة المشفى مبهمة وستزداد ملامح أبيك وضوحا وكأنك تراه عن كثب لأول مرة..

عرفت عظمة أبي
عرفتها حين اصبحت أبا..
الأب رب
وأنت لست مجرد ارتباط بيولوجي به
بل امتداد لروحه امتداد لاحلامه امتداد لحياته امتداد لخرائطه ..
يشعر الأب أن قامته تزداد طولا وتقترب من السماء اكثر كلما رآك تنمو أمامه
ويشعر بالتخمة كلما رأك تأكل من طعامه ..
أعرف عظمة الأب
وأشعر بجريان الماء البارد فوق رماد أعماقه الناتج عن احتراقه لأجلك.. إن رآك مبتسما
أشعر بقفزة قلبه حين يراك تخطو أول خطواتك
أشعر بإنصاته لأجمل الأغاني التي غنت ولم تغنى بعد ..
حين يرى أول كلمة تفقس كالعصفور في عش فمك
أشعر بانهياره من أبعد شعره في رأسه حتى أصبع قدمه الصغيرة ..حين يعجز عن تلبية رغابتك واحتياجاتك مهما كانت رفاهية..
أشعر بتلاشيه حين يغترب ويراك من شاشة التلفون ولا يستطيع معانقتك
وأرى كيف يطول عنقه كالنخلة العراقية حين يراك تنجز شيئا مهما كان بسيطا
أرى دموعه المحبوسة في الأعماق حين يراك متخبطا
وأرى امتداد الابتسامة من مدخل فمه حتى أعماق أعماقه حين يراك مستقرا
أعرف عظمة أبي
لذلك أبصق في وجه المنطق الذي يصيغ به بعض الأبناء كتاباتهم المطالبة بأستقلالية حرية الاختيار والخروج عن عباءة آبائهم
أبصق في وجه كتاباتهم مهما كانت منطقية
فالمنطق عندي أن تؤمن بقداسة العائلة
العائلة التي تقف على أكتاف الأب
أؤمن بقداسة كلمة الأب التي لا تناقش
حتى لو كان بحوزتك كل الحجج المنطقية لمناقشتها
أؤمن بقداسة نظرته للأمور بما فيها أمور حياتك
نظرته التي لا تراجع حتى وإن كانت خاطئة في عيون العالم بأكمله
أنا لا أبرر للأباء رغبتهم بممارسة سلطتهم الأبوية ..فمصطلح السلطة الأبوية مصطلح ملفق
لا أبررها
بل أشرح لك وجوب رضوخك التام لها
أنت لست مجرد ارتباطا بيلوجيا بأبيك
حتى وإن لم ينفق قرشا واحدا على رغيفك
حتى وإن لم تسقط نصف قطرة من عرق جبينه لأجلك
حتى وإن لم يلقي نظرة واحدة على همومك
حتى وإن لم يربت لمرة على كتفك
فهو يفعل كل ذلك حقا…حتى وإن كنت تتوهم أنه لا يفعل
أنت امتداد لأبيك أقولها لأني أعرف كم أحب أبنائي ..حتى وإن لم أقدم لهم شيئا
فإياك أن تعاتب أبيك حتى أمام نفسك
واحذر أن تخالف أبيك حتى في خيالك.

أبوك أبوك
ذلك الصلب كالصخرة أمام عينيك
الرقيق كالماء في الأعماق..

أبوك أبوك ..ذلك الحضور الذي تتلاشى قواك ويتفكك تماسكك في غيابه حتى وإن تجاوز عمرك المئة عام ..

أبوك أبوك ..ذلك الصوت الذي يدهن جدران منزلكم بالأمان والطمأنينة حتى وقت ارتفاعه غضبا .
أحب ما يحب أبوك ..واكره ما يكرهه
وأؤمن بما يؤمن به أبوك واكفر بما يكفر به
افعل ذلك دون تفكير ..
وليكن أبوك بطلك حتى وإن لم يهزم مشكلة أمامك
حتى وإن لم يرفع كأسا سوى كأس الماء ليسقيك
وليكن نشيدك الوطني صوته الوقور إن نطق
ولتكن خارطة بلادك الأم اقتباسا من تجاعيد وجهه إن شاخ..

أبوك أبوك
جيشك وسيفك في الطفولة وكتابك حين تكبر
كل شعره بيضاء في رأسه أشعلها ليضيء لياليك
كل تجعيده في وجهه طواها ليجعل الطريق مستقيما أمامك
كل انحناءة في ظهره قوسها لتسدد سهمك نحو هدفك
كل احتكاك في مفاصله تحمله لتنساب أنت كالماء من بين أصابع العقبات
وكل شرود سبح فيه كان لإنقاذك أنت من غرقك ..
الأب رب وأنت امتداده
مكتمل به مبتور بدونه..

أبوك أبوك ..
من يفرغ بين يديك قلبه قبل جيبه
ومن تنبت في قلبه قبل أن تخرج من صلبه..

أبوك أبوك
أول رب لك وأخر نبي.
عمر النهمي

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

عامر السعيدي

أغنية راعي الريح

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى