كتّاب

سالم المسكين….


سالم المسكين.
——
شاهدنا الزعيم الإصلاحي سالم في تسجيل مسرّب. شخصياً رأيت صورته لأول مرّة. إصلاحي كلاسيكي. الإصلاحي الكلاسيكي هو إصلاحي من تعز، ليس من الحجرية، يلبس المعوز والمشدة، نحيل الجسد بلحية خفيفة، ولا يفهم في المسائل المعقدة الشيء الكثير. داخل هذه الصورة الكلاسيكية للإصلاحي ظهر سالم، وكان صادقاً ووفياً للصورة كما ينبغي لرجل أوصله إيمانه بالله و”سماخته” إلى مكانه، ولن يكتشف قط أن السماخة لا تكفي. يعيش الإصلاحي الكلاسيكي إلى الشمال من نجد قسيم، ويعيش اللاـ إصلاحي الكلاسيكي إلى الجنوب من نجد قسيم. داخل هذه الصورة ثمة استثناءات لا حصر لها. ولنتذكر إن الآباء المؤسسين للتنظيم الإسلامي جاؤوا من شرعب ومخلاف، بخلاف ال”الحجارية” الذين مالوا يسارا.

لاحظوا أن الرجل يتحدث عن تركيا كما لو أنها من دول الموز، ستأتي بالدبابات والعربات. الجيش التركي هو الجيش الأكبر داخل الناتو، ويبذل جهداً صعباً لتغطية تحركاته خارج الناتو بغطاء قانوني، كما في ليبيا وسوريا. يحارب أردوغان في ليبيا حربا ذات طبيعة استراتيجية بالنسبة للإمبريالية التركية، تحظى تلك الحرب بمساندة داخلية متهورة وحماسية.

ليست الإشارة إلى تركيا هي ما يهم في موضوع سالم، ولا حتى وصفه للإماراتيين بالفئران، فقد أعلن الإماراتيون رسمياً في حفل عسكري مهيب عن سبب التحاقهم بالحرب في اليمن، حددوا أعداء ثلاثة، وضعوا حزب الإصلاح في المرتبة الثانية. وصفق الضباط والساسة آنذاك، وكانوا يجلسون في صفوف طويلة، ثم وقفوا احتراماً وتبجيلاً لتلك الأهداف.

الحقيقة أن التسجيل يظهر المدى الوحشي والعبثي الذي وصلت إليه سلسلة حروب الخليجيين والإيرانيين في اليمن. اليمنيون لا يخوضون حرباً ذات معنى، هذا ادعاء انتحاري. لقد اكتشف طارق ضياع الجمهورية بعد اختطاف ولده. هذه المقاربة النيبوتية للدولة، باعتبارها موروثا عائلياً، يشاركه فيها الآخرون .. خذوا تعز مثالاً: يتحالف اليمنيون في تعز مع طارق صالح وهم يرونه يقود جيشاً من 40 ألف مقاتل دون أن يسألوا أنفسهم هذه الأسئلة البسيطة: أي وزارة يتبع هذا الجيش؟ من أين يأتي بأمواله؟ من هي الحكومة التي تشرف عليه؟ ما الحرب التي يخوضها؟ من هم الشعب الذين يعبر عنهم هذا الجيش؟ إلخ. كيف يمكن لجيش أن يكون جمهورياً إذا لم يكن دولجياً؟ كيف تدافع عن الجمهورية وترفض الاعتراف بالدولة؟ هذا جنون استثنائي لا تصلح معه الكتابة ولا حتى التدوين. إنها أمور فاحشة للغاية.

أرجو أن لا تملوا وأن تستحملوا اللت قليلاً وتقرؤوا هذا:
يمثل حزب الإصلاح حوالي ثلث المجلس التشريعي الجمهوري. هو حزب يمني مساند للنظام الجمهوري ومساهم في الحكومة على كل المستويات. ينشط الحزب داخل السياسة وهو جزء جوهري من التاريخ الحديث: السياسة، الثورة، الحكومة، الحرب، الائتلافات، المعارضة، النشاط النقابي، إلخ. وتكمن قوته الأساسية في الطبقة الوسطى وليس في سالم. أحببت أن تسمع هذا الكلام أو لم تحبّه، هذه مسألة تاريخية أكبر منك يا عبدالله المهفوف، ولا بد أن توضع دائماً داخل سياقها التاريخي، وما هو تاريخي في أرضنا هو أيضاً شأن يمني. أي أن الإصلاح شأن يمني خالص، وعلينا أن نتعامل مع هذا الشأن اليمن بحذر وحرص، لأنه يخصنا.

لدى الحزب هوس غير مفهوم بالوظائف والمناصب الحكومية وسيحدثك عن قرارات التعيين وهو محاصر في جبل، وهو انتهازي رهيب، وبمقدوره أن ينقسم إلى ست فرق: فرقة تقول إنك كافر، أخرى تقول إنك مبدع، ثالثة تقول إنك تافه، رابعة تقول إنك مناضل ضل الطريق، خامسة تقول إنك رفيق، وسادسة تقول إنك أخ أصيل. ثم ستجتمع الفرق الست وتمضي في طريقها في هارمونية ووئام، كأن شيئاً لم يحدث. وكذلك في السياسة..
الإصلاح مركب، وهو أكبر بكثير من سالم المسكين الذي وضعه إيمانه في مكان أوسع من معوزه.

في تعز، وهي مركّب غير مستقر، ينحازون لتشكيل عسكري لا يمثّل أي قانون ولا يعترف بكل المنظومة البيروقراطية والسياسية التي تشكل مشروع الدولة، ويقاتلون حزباً داخل الدولة. ذلك، وهذا ما لا يمكن نكرانه، أن الوظيفة أهم من الدولة، حتى بالنسبة للقوى المساندة للدولة. في تعز ستجد رجلاً ينحاز إلى مناهض للدولة ضد رجل سرق وظيفة داخل الدولة. إن التفكيك المتتالي لآليات الصراع في تعز سيوصل إلى هذا الاستنتاج الكاريكاتوري المخيف. في مؤتمر صحفي قال نعمان، الزعيم الناصري، إن حزبه لا يقيم علاقات رسمية مع قوات طارق. لكنه، وهو يسوق كلماته، تحدث عن تلك القوات باعتبارها “قوات المؤتمر الشعبي العام”. إن مثل هذا الخطأ لا يجعل من نعمان مبتدئاً في السياسة وحسب، بل لا يقل خطراً عن سالم الذي يتخايل مدرعات الباب العالي تقتحم المخا.

أيضاً كل هذا لا يهم الآن، ولا تلك الزفة الطفولية التي يقوم بها عبد الله المهفوف، وهو أي عبدٍ لله أدركته الهفه في الطريق:
هيا يا عرب الخليج، قال سالم إنكم فئران، تعالوا اضربوه.
سالم يرُد: مقدروش لشوية حوثيين دخلوا لهم لداخل.
سالم أيضاً عبد مهفوف لله.

الحقيقة أن ما قاله سالم يضعنا أمام الوحل الذي غرقت فيه السعودية. تاهت الحرب وتقاتل الحلفاء.

ألقى الملك بالمشكلة المرعبة لضباط وساسة من الدرجة العاشرة ونظر شمالاً. إنها معركة لا تستحق نظر الأمير مبس. حسناً، اخرج منها إن كنت تقدر. الحوثيون لإيران، الانتقاليون للإمارات، والمؤتمر الشعبي العام مجرد طبقة أفقية من الرجال الأنيقين الذين يفرون قبل كل المعارك. يبدو حزب الإصلاح متجها إجباريا للمملكة التي تضرم النار في نفسها كل يوم. لا بد للمشكلة اليمنية أن ترسو على جبل ما، والإصلاح حزب كبير الحجم لا يمكن لدول الخليج أن تجعل منه ماضياً. أوراق الإصلاح لا تزال كلها إلى صدره، ولديه منافذ هرب كثيرة كالتحالف مع الحوثيين والعمل تحت الإمرة الهاشمية كما يفعل في المغرب والأردن، وأماكن أخرى. الحزب ليس جمهورياً عنيداً كما يدّعي، ولا هو دولجياً استثنائياً. ينتظره الحوثيون، ولا أستبعد أن يلتقيا في مكان ما. بمقدور السعودية أن تكرر الخطيئة التي تحدث عنها محمد عبد السلام في صحيفة الوطن السعودية: أغلقت أمامنا الأبواب فوجدنا الباب الإيراني مفتوحاً. عند ذاك لن يتلاشى حزب الإصلاح ولكنه سيجد مأوى في مكان آخر. فبعد صراع مميت مع عبد الناصر والتنظيمات القومية في الشام والعراق فر إخوان تلك الأيام إلى السعودية ووجدوا مأوى، ولم يكن النظام السعودي أقل ضراوة ووحشية من الآن، كان فقط بحاجة إليهم في صراعه الانتحاري مع الأنظمة القومية والشيوعية. باعوه مجهوداتهم مقابل السلامة والمأوى. في الأخير يعلم حزب الإصلاح أنه إن خسر الدولة فلديه ما هو أهم منها: الدار الآخرة. تعتقدون أنه نسي هذه السردية الماورائية وتجاوزها؟
هذا أيضاً ليس الأكثر أهمية في حديث سالم ..

الحقيقة أن ما يهم أكثر في حديثه هو كلمة “حصار”. تلك المحافظة هي أم المحافظات، زودت اليمن كلها بالمهنيين والمعلمين، هي مخزن الجمهورية ومهد فكرة الدولة الحرة، هي مدينة كل المدن، المدينة التي لغيرها، وهي التي لن يستقيم شيء في البلد إذا لم تستقم. تلك المحافظة الأم جعل منها عرب الخليج مغارة مخيفة، ضربوا حولها الحصار، استثمروا في الجوع والحاجة وخلقوا الارتزاق وفرق الاغتيالات والتنظيمات الجهادية. حتى إن بن زائد نفسه وصفها بوكر الإرهاب في لقاء رسمي مع قيادات الدولة اليمنية.

قال سالم لأصحابه في التسجيل المسرّب إن دولاً كبيرة قد تدخل، وسيعمل معها في مطاردة الفئران. تكمن ورطة السعودية في طبيعتها، فهي حليف متقلب ليس له قرار، وكذلك هو حزب الإصلاح. وإذا كانت مستعدة أن تنكب الحزب استجابة لأوهام أو حقائق فإن الحزب لا تزال الكثير من أوراقه إلى صدره. وهو ما يجعلنا نقول إن تسريب سالم سينتهي إلى عتاب خفيف، وسيضع شيوخ الحزب الذنب على كتفي عبد الله المهفوف سالم. أما الإمارات فهي خارج الحسابات كلياً، فبالنسبة لها فالحزب مجرد تنظيم قطري لا بد من الفتك به متى ما سمحت الفرصة، وقد قالت ذلك ألف مرة في ألف مناسبة. إماراتيا لا جديد في حديث سالم، أي أنها لن تضربه بالطائرات غداً، ولن تدفع لطارق أموالاً أكثر .. مثلاً.

وما يهم أكثر من كل ما سبق هو أنه لم يعد في تلك القصة من شيء يهم سوى أن تضع الحرب أوزارها، وأن نعترف بحقيقة أن الحوثي أصبح ملكاً على جزء كبير من اليمن ولا يمكن تغيير تلك الحقيقة في المائة سنة القادمة، وأن الجمهورية المفقودة لا يعيدها الرجال المهفوفون الذين يطلقون النار على أقدامهم بعد كل خطوة.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى