كتّاب

زعيم التناقضات المرة…


زعيم التناقضات المرة
مروان الغفوري
——-

من الأفضل أن نفتتح المقالة بهذا المدخل: قال صالح لقناة الميادين، في لقائه الأخير، إنه لا علاقة له بالحرب الجارية وليس سوى أحد ضحاياها كمواطن. عاد، بعد هذا الاعتراف الرسالي، إلى القول إنه مستعد لإيقاف تلك الحرب التي لا علاقة له بها إذا ما أوقف التحالف هجماته.

في الحرب، وبالنسبة للطرف الأضعف تحديداً، تكون كل الدقائق غالية. وعندما تتاح للمتقهقر فرصة لقول شيء فمن الأجدى أن يقول شيئاً واضحاً وقابلاً للفهم وصالحاً للنقاش والتفاوض. ظل صدام حسين يعوم في مدار من العك الأزلي والإنشاء الفارغ حتى عُثر عليه في حفرة. حتى الذين كانوا ينتظرون منه كلمات واضحة لكي يبادروا إلى مساعدته لم يجدوها. بقي في عزلته، محاصراً بضلالته ولغته. عندما ألقي عليه القبض كان قد ألقى أطناناً من الكلمات لكن أحداً لم يفهم منها شيئا، مثل ماذا يريد، وماذا لا يريد على الأقل.

أحد الوسطاء اقترب من طارق صالح، آخر من تبقي مع الرجل من أسرته في اليمن، وعرض عليه ممراً آمناً لعمه. لكن الرجل، كما أخبرني سياسي رفيع، رد بحزم: سنقاتل حتى تصير صنعاء حجراً على حجر. عاد صالح وألمح إلى تلك النوايا في حديثه الأخير. كان يرفع يده قائلاً إنه يرحب بالتحالف في صنعاء، وأنه سيستقبلهم بالكلاشنكوف. بين الكلمات الكثيرة أطلعنا صالح على واحدة من أمنياته الكاذبة: أن يموت شهيداً من أجل الوطن.

أحدث صالح أكبر مجاعة في تاريخ اليمن: 21 مليون جائعاً بحسب تقرير أممي حديث. كل ذلك لأجل أن يقدم نفسه شهيداً وطنياً في اللحظة الأخيرة! قبل حصار صنعاء، كما نقلت مواقع إعلامية محلية، قال في واحد من لقاءاته بجماعته إنه يشعر بالندم لأنه عليه أن يقف ضد تاريخه ونضاله السبتمبري، لكنه مضطر لذلك. فقد باعه رفاقه: من باعك بيعه. هكذا قال صالح، بلغة تاجر رخيص وبلا خيال. باع كل شيء، باع رفاقه ووطنه، وباع نفسه مقابل أن ينتصر لأحقاده. الرجل الذي كان حتى ما قبل ثلاثة أعوام هو النشيد والتاريخ والدالة الوطنية النهائية صار بلا مأوى، ولا ممتلكات. أكثر الناس خوفاً في اليمن هو صالح، واليمني الوحيد الذي لم يعد يملك سريراً.

ها هو صالح كما نعرفه من قبل، الرجل ونقيضه: العاقل والمجنون، اللص والشهيد، الجندي المخلص والإرهابي، الزعيم وقاطع الطريق، المواطن الطيب والطاغوت. يقول الجملة ثم ينزلق إلى نقيضها، ويحك أنفه.

بعد حادثة كلينتون ـ مونيكا خرجت دراسة علمية ظريفة تقول إن الكاذب يلجأ إلى حك أنفه عندما يروي كذبه، وأن أنفه قد يكبر مع الأيام إذا استمر في الكذب. أشارت الدراسة إلى الطريقة التي دافع بها كلينتون عن نفسه. أما عيدروس النقيب، الكاتب المعروف، فقد ذهب يعد المرات التي حك بها صالح أنفه في لقائه الأخير ووجدها 129 مرة خلال 90 دقيقة.

في لقائي، قبل أيام، بالزعيم القبلي ورجل الأعمال المعروف حميد الأحمر سألته عن مصير نجل صالح فقال إنه يعيش في الإمارات في وضع يشبه الإقامة الجبرية. بحسب الأحمر فلم يعُد للنجل من دور عسكري، وتلك الحرب الجارية في اليمن هي حرب صالح. حتى كبار العائلة، يؤكد الأحمر، تركوا صالح يخوض حروبه وحيداً. لصالح ألمه الخاص، ومدونة أحقاده الخاصة. وهو يقاتل ليعالج نفسه. بعد انتهاء الحرب السادسة ضد الحوثيين ذهب إلى الكلية الحربية وألقى خطاباً. قال للجنود «ليس مهماً الأفراد الذين خسرناهم في الحرب، الأهم أن تكونوا أنتم قد اكتسبتهم خبرة قتالية». لا يأبه قط للبشر، حتى إنه لا يحتسبهم، أو يحتسبهم على طريقته. ففي النصف الثاني من عقد الثمانينات أمر صالح بإضافة حوالي 30 ألف اسم إلى سجلات محافظة مأرب. خُلقت الأسماء التي أرادها صالح، وراح هو يمن على قبائل المحافظة قائلاً أنه زاد من تعداد سكانهم لأنه بصدد توزيع مشاريع التنمية بحسب عدد السكان. كانوا شاكرين، بالطبع، أما هو فقد خلق للتو شعباً على الأوراق، كما سبق أن أهمل شعباً على الأرض.

لقاؤه الأخير بالميادين كان فريداً. فلم يسبق أن ساق صالح كل تلك السلسلة من التناقضات في جلسة واحدة. فالحوثيون سلطة، يقول، وهادي رئيس عصابة. أما هو فسيقاتل بالكلاشينكوف، وهو آخر ما تبقى لديه من السلاح، ومستعد للاستشهاد. لكنه أيضاً حذر التحالف الدولي، فإذا اشترك صالح في الحرب فإن قواعد اللعبة ستنقلب كلياً وهم يعرفون ذلك. لذلك لن يقاتل، فهي حرب لا تخصه وليس جزءاً منها، لكنه مستعد لوقف إطلاق النار أيضاً!

أما الكويت فدولة تستحق الإشادة لأنها اكتفت بالهجوم الجوي على قواته المسلحة. سرعان ما يضل طريقه فيقول إنها حرب السعودية وحسب، لا يشارك السعودية فيها أحد، وتخاض لأسباب طائفية محضة. لكنه يبرر انهيار جيشه بالقول إن ذلك متوقع فهو يواجه 13 دولة. أعلن التزامه بالقرار الأممي، وهو قرر يفضي إلى استسلام الميليشيا على نحو شامل بلا استثناءات. سيحارب، قال، حتى الشهادة وسيلتزم بالقرار الأممي، وسيفعل الشيئين في الآن نفسه.

ثلث قرن من المناورة كانت تقوم في الأساس على الدفع بالمتناقضات معاً وسوقها في الاتجاه نفسه. الموقف ونقيضه، والشيء وضده. اندلعت ثورة 11 فبراير بعد أقل من مائة يوم من تمزيق صالح للوثيقة النهائية التي توصلت إليها الأحزاب والقوى الاجتماعية، وكان يمثله فيها الإرياني وهادي. أنهى، في لحظة، أشهراً من الجدل والنقاش والحوار، ثم دعا صبيحة اليوم التالي إلى حوار وطني من جديد. وكانت تلك المرة الأخيرة التي سمح له فيها بالرقص على رؤوس الثعابين. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى كان الشعب المسكين، الذي رآه في تجلياته كثعابين، يكسره من الخاصرة ويحيط بساقيه كثعبان

لم ينس صالح أن يعبر عن رؤيته للدولة، الدولة بوصفها مجموعات وظيفية. قال في اللقاء المشار إليه إنه قضى ثلث قرن من الزمن في مجاملة هذا الطرف ومراضاة ذاك. كان يشرح لغته بيديه على طريقة باعة القات في الأسواق الشعبية، لكن الحديث كان عن الدولة. تلك هي الدولة، وذلك هو طريقها: جلسة قات يقضيها صالح في هجاء الأطراف ومديحها، في الغضب والعتاب. يا لها من طريق للدولة ابتكره صالح. الطريق الذي أوصل الشعب إلى أكثر أزمنة الجوع انحطاطاً وألماً، وأوصل صالح نفسه إلى الإختباء في المقابر.

،الوطن القطرية

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫25 تعليقات

  1. الجحيم تحت أقدام صالح!
    ………………………………………………
    منذ ولادته في العام 82 والمؤتمر حزب تحمله قدما صالح ، بهما يسير وعليهما يتحرك في طول البلاد وعرضها !
    مكتمل الأطوار، مستوفي الأعضاء، بقدمين صلبتين ،دونما تشوهات خلقية ولد المؤتمر من رحم الثورة غير أن صالح عمل على تجميد حركتهما ؛ تاركا لأقدامه وحوافره سلطة إدارة الحزب والبلد معاً !
    من تينك القدمين بات الحزب يستمد قوته وصلابته وعنفوانه!
    مع مرور الزمن ذاب الحزب في صالح حد الانصهار وصارت قدماه هي المؤتمر وبقدرة قادر مسخ أعضاء الحزب إلى بيادات وشباشب وصنادل ومداعس ورقاوص وجزمات وكنادر وكوتشات وجوارب للحزب الجديد ،وكانت المناسبات والظروف هي من تحدد نسبة قربهم من بعدهم عن حزب القَدم!
    تحت أقدام صالح رأى الكثير من العبيد جنته ولم يغادرها حتى اللحظة!
    من جنة العبيد تلك كانت تشتعل نيران الوطن وحرائق الشعب منذ ثلاثة عقود!
    لم يستخدم صالح عقله بالطبع كما استخدم حوافره وأقدامه في حكم اليمن ،وهذا سر بقائنا في قاع التنمية وتحتية البناء!
    في ربيع 2011 احترق صالح والتهم الحريق قدميه مع بعض شباشبه وبياداته وجواربه و…
    راح المحروق يهتم بشكله ووجهه متناسياً المكان الأهم في بدنه!
    كانت قدماه قد بدأت تدخل طور التجيف والتعفن ببطئ كمفعول مخدر وكانت رائحة عفونتها تأخذ في الانتشار والتوسع!
    شباب ثورة فبراير كانوا قد خرجوا مع ما بأيديهم من ورود قصد تخليص البلاد من نتن صالح المقزز وعفونته المقرفة ؛ لكن ورودهم وقفت عاجزة أمام عنف العفن وبطش القذارة!
    كجورب بدأت رائحته تؤذي الجوار ؛ فلزم خلعه واستبداله بآخر أنظف منه؛ خلع صالح.
    كان هادي الجورب والشُرَاب النظيف لدا المخلوع فتم استبداله به!
    حاول المخلوع وكمن يريد أن يبدو كبيرا في هزيمته أن يعلن خلع جوربه النظيف واستبداله بآخر لم يدر بخلده أبداً أنه من سيقوم ببتر قدميه المعفنتين لاحقاً!
    هرب الكثير من تلك العفونة المعدية وتخلى كل من خاف على صحة كرامته ووطنيته عن صالح ولم يقترب منه الا ذباب الله! وهي تهتف لا نبالي لا نبالي!
    أخذ ذباب الله ينقل جراثيم صالح المعفن إلى كل بيت في اليمن!
    كان جورب المخلوع، المخلوع قد صار حاكما للبلد وقد طالته بعض تلك الجراثيم!
    على طول امتداد الجغرافيا اليمنية انتشر داء العنف فاضطر بعض الناس للهروب والنزوح الى دول الجوار ومعهم نزح الجورب الرئيس الذي بدأت تشتم منه رائحة تؤذي اليمن! في حين لا يزال غالبية الشعب عرضة لتلك الجراثيم والأوبئة المهددة لبذرة الانسان!
    من ضمن النازحين كان جورب صالح الجديد مع مجموعة من الجزمات والبيادات المقربة له كما يصفهم هو بذلك! وناقل البذاءة ليس ببذيء!
    في تزامن مقصود أعلن صالح تخليه عن أثاثه القديم وأدواته الرثة التي تجتمع في الأثناء لتدارس إمكانية بتر قدميه المسلطنة في محاولة بائسة لانقاذ جسد حزبهم المعلول!
    قال صالح عن أولئك المجتمعون في القاهرة أنهم كانوا ملتصقين بأقدامه وأن جنتهم كانت تحتها وأكد المجتمعون أن من تحت قدمي صالح لازالت تشتعل حرائق ونيران الوطن!
    بترت قدما المؤتمر إذن بقرار المجتمعين و أضحى جوربه القديم ، قدماً جديدة له؛ فهل سيواصل الحزب السير؟!
    كتب / مجدي محروس

  2. صدام حسين جميع كتابته منطلقاتها فلسفيه يا مدعي الفهم اذا لم تفهمه انت وقد التهمت كتب الفلسفه فكيف لك ان لا تفهمه ام لان طلب للرزق يتطلب ذلك

  3. مقال لا يرتقي لمستواك الادبي ع الاقل
    فلا يحمل اي شئ جديد..
    لست مع صالح ولكن العدوان قد صنع منه بطل رغم انوفنا فهو الوحيد الذي ظل في ارضه
    بعد ان هرب اصحاب الصنادق
    والكباريهات الدينيه
    لتقبيل ايادي الاخرين للدفاع عن اعراضهم..

    كان الشعب قد صنع منه رئيسا مخلوعا
    فاعاد اغبيا الاصلاح تدويره ووضعه في قائمة السلطه بمساهمه واضحه ممن كان يتحكم من الوطن من تحت الكواليس منذ الستينات..
    ومن صنع من اليمن افقر دوله في العالم وجعل من رجالها قائمه طويله فقط من المرتزقه ترمى لهم هبات شهريه مقابل كرامتهم وتاريخ اجدادهم..
    وبعد ان قلب هادي الطاوله على رؤس الاخوان ورأسه كذالك لم يجدوا بدا من الهروب بملابس نسائيه وجعلوا من صالح الرجل الاخير الذي يدافع عن كرامة وطن بعد ان باع انصاف الرجال وطنهم لعاهره..
    واستجلبوا كل اوباش العالم ومرتزقته
    ليتبولوا فوق قبور اجدادهم
    وينبشوا رفات تبع وبلقيس…
    ادخلوا كل الالم الى حماهم وبين نسائهم من اجل المال
    اللعنه عايهم من تافهين
    العار الذي صنعوه لن يمحيه الزمان والا موال

    لن يسجل التاريخ
    غير كلمته فقط
    انه سيقاتل بالكلاشنكوف كاي مواطن لديه كرامه
    وسيسجل التاريخ ايضا
    انه تمنى ان يموت شهيدا على تراب الوطن
    رافضا ان يتسكع بشوارع اورباء كغيره..
    فلا شئ اخر سيحظى باهتمام التاريخ غير هذاء
    الا النصر الذي سيحققه الوطن برجاله ضد قوى الغزوا واذنابها باذن الله

    بعد قرابة العقدين من الزمان على حروب العراق التي لا تشابهها غير حروب اليمن
    بنوعية الاهداف ونوعية العدوان
    لم يظل راسخا في الذهن عير كلمات
    لصدام حسين
    بلحيته الكثه وملامحه المنهكه جعلته مثلا لبطل مات للدفاع عن وطنه وايقونه للعز الذي باعه اهله من العرب فلم يستطيعوا حتى ان يظلوا انصاف نساء في اوطانهم كما كان حلمهم..
    والان اصبحوا نتدمون على ماجنت ايديهم
    واصبح اسم صدام اغنيه على شفاه المواطن العربي والخليجي( اكثر من كانوا يبغضونه) بعد ان عرف كل ذي عقل
    انه ذبح يوم دبح الثور الابيض
    وهذا ما يسعى اليه صالح بوقوفه مع التراب في الحظه الفارقه.. من التاريخ..
    ولن يسجل غير موقف مخزي للاخرين

  4. تحليل ممتاز لتناقضات صالح وتسجيل لعدد كذباته عن طريق عدد حك انفه!
    كملاحظة عابره مروان الغفوري هل تذكر كم مرة حك حميد الاحمر انفه عند لقائك به ؟
    😂

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى