منظمات حقوقية

ريمة بوست | المهرجان الطلابي مارس 1976 مدرسة الفتح الجبين ومدرسة كسمة

ريمة بوست

المهرجان الطلابي مارس 1976 مدرسة الفتح الجبين ومدرسة كسمة

????طاهر سيف عبدالحق
مُهندس طيران متقاعد(مدرس سابقا في خدمة التدريس الإلزامية بريمة)

في صبيحة اليوم التالي لوصولنا مع التلاميذ إلى جبل كسمة، شعرنا بالفرح والنجاح لقد اجتزنا كل تلك المسافات من الجبين، إجتزنا كل المصاعب خلال الرحلة والتي وقفت من أمامنا عثرة، وكنا في مستوى من التحدي.

وشعرنا أن كل شيء من حولنا جميل ومبهج، و السماء صافية، والشروق ضوء يبهر الأبصار، وربيع الجبل أخضر والأزهار البرية تزين طريق نبع الماء الواقع بجانب المحلات السكنية.

وتحولت مدرسة كسمة منذ الصباح الباكر، إلى ورشة عمل فالجميع يستعدون لإقامة المهرجان الطلابي والذي سوف يجمع بين مدرسة الفتح الجبين ومدرسة كسمة.

واقيم الإفطار الجماعي في ساحة المدرسة على شرف القادمين من الجبين، المشاركين في الرحلة الطلابية بحضور مدير مدارس ريمة الأستاذ طلال يحيى زيد، وكان فخورا بالضيوف ويعمل على انجاح المهرجان.
ولابد أن نقف إحتراما لذلك الرجل الوطني الذي كان في سفر دائم بين نواحي جبل ريمة قبل أن تشق الطرقات وهو يتابع سير العملية التعليمية ويعمل على تطويرها.

وبعد الإفطار تسللت إلى جوار المدرسة وجلست لبرهة قصيرة، وألقيت نظرة على بيوت المحل، وعلى المسجد القديم، وأذهلني الإرتفاع الشاهق، والإنحدار الشديد أسفل المدرسة،
وتسائلت ؛
وكنت لا أدري ماهو السر الحقيقي من وراء إختيار الاجداد السكن في تلك الأماكن المرتفعة والتي تكاد تعانق السماء. فأنت ترى من جبل كسمة مساحات واسعة من ريمة شمالا وغربا، وتشاهد رؤوس الجبال التي تتراكم في الأسفل، وحقول البن، والمدرجات الجبلية والأودية، ومساحات من الفراغ المفتوح من سهل تهامة.

ولعل المستوطن الأول للجبل قد أختار المكان بعناية، لقربه من عيون الماء ومن المراعي والأرض الزراعية. بالإضافة إلى التفسير التاريخي أن الحروب كانت مقلقة في الأزمنة القديمة وكان الصراع على اشده لنزع ملكيات الأرض، ولايبق ولا يسود سوى الأقوياء وهم وحدهم من ظلوا يدافعون عن الجبل ويعيشون حول الأرض الخصبة. فالشعوب الضعيفة تعيش حول الأرض البور شحيحة الموارد.

وكان جبل كسمة يمتد قليلا فوق المحلات السكنية، وتبدو القمة شامخة في الأعلى، وتتضح الرؤية نحو الشرق، ويتمكن المشاهد أن يرى الأحراش والأغوار الوعرة والمعقدة التضاريس والتي يسكنها وحوش البرية، كما ويرى القيعان القاسية والأودية الضيقة المطمورة بين الكثبان الجبلية.

وفي مدرسة كسمة كان الإستعداد قائما و بدأ الحفل وأعدت الإدارة إذاعة داخلية من خلال ربط شبكة من مكبرات الصوت بطريقة ابداعية وفنية، وبدأ المهرجان المدرسي بآية من الذكر الحكيم.

وكعادته وقف الأستاذ حيدر علي ناجي، مدير مدرسة كسمة يلقي كلمته يفتتح الحفل والمهرجان، بحضور اعيان المنطقة والوجهاء من المشائخ والذين توافدوا منذ الصباح الباكر. ورحب بالحضور، وباشر يخطب بحماس وبلاغة وألقى ابيات من الشعر واستعرض أهمية التعليم.
وكان حيدر علي ناجي شاب مرهف الأحاسيس، ذو نشاط وحركة مفعم بالعواطف ويشع من عينيه ضوء المجد والرفعة، والطلاب يرهفون السمع ويزدادون حيوية وحماس.

وارتفع نشيد جماعي بعد تلك الخطبة الثورية بأصوات طلاب المدرستين واتسمت وقفتهم الكشفية كالجنود الاشاوس يتطلعون لرفعة الوطن.
ثم قدم الأستاذ ياسين المسعودي رابط فقرات الحفل وصلة شعرية وذكر أهمية التصحيح المالي والإداري وان تقف جموع الشعب خلف القائد ابراهيم الحمدي لدرأ مخاطر الفساد العائق الأكبر في تنمية وتقدم البلاد.

وخلال المهرجان وقف الأستاذ طلال يحيى زيد خلف الميكرافون، و رحب بادارة مدرسة الفتح بالجبين وأشاد بنشاطهم الغير عادي في الوصول إلى كسمة والمشاركة في المهرجان، وكان متأثرا من التحام المدرستين في مهرجان ونشاط تعليمي واحد.
وبث في الحضور ضرورة الإسهام في رفع مستوى التعليم في المناطق الجبلية وتشجيع الطلاب لمواصلة الدراسة.

وأعلن عن مشاريعه في المتابعة والتوسع في التعليم الإعدادي، وبناء مدارس جديدة في نواحي ريمة، وكان يقرأ المستقبل بأن هناك ثورة تعليمية سيشهدها الجبل. وبعد مرور السنوات تحقق حلمه برؤيتنا لأبناء ريمة من جيل المتعلمين وقد شغلوا المناصب الرفيعة في سلك الجهاز الاداري للدولة وتبوؤا المهن العلمية الرفيعة.

ثم ألقت إحدى الطالبات كلمة هزت المشاعر ونالت استحسان الحضور لفصاحتها ورنين صوتها الرقيق، ثم توالت الكلمات.
وقدم طلاب مدرسة الفتح عرض مسرحي شد انتباه الحضور، وعبرت المسرحية عن كفاح ونضال الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة. وكانت المقاومة في سبعينات القرن الماضي جبهات صاعدة تنفذ العمليات في عمق الأرض المحتلة، وكانت الدراما حكاية سردية غنائية تبرز الحماس الشعبي العربي، المساند لتحرير القدس.
وارتفع صوت فيروز خلال المسرحية ينشد للقدس لزهرة المدائن بصوت الغضب الثائر الذي هز الوجدان والمشاعر :

لأجلك يا مدينة الصلاة اصلي
لاجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن
يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي
عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
و تمسح الحزن عن المساجد
ياقدس يا مدينة الصلاة
يا زهرة المدائن

وبعد فقرات ومساهمات طلاب مدرسة الفتح بالجبين، غنى في الحفل فنان موهوب لم أعد اتذكر أسمه. ولكنني أتذكر إجادتة لتراث فن الغناء الصنعاني ثم قدم طلاب مدرسة كسمة تمثيلية رائعة وهادفة تناولت المشاريع المتعثرة في جبال ريمة ومنها الطريق من علوجة إلى كسمة

وعاد حيدر علي ناجي إلى إلقاء الشعر، ثم ردد الحفل الهتافات خلف ياسين المسعودي ورددوا الأناشيد، وتوالى الخطباء يتحدثون في المهرجان والقى مدير مدرسة الفتح كلمته في المهرجان وفي حدود منتصف النهار شارف الحفل الخطابي والفني على الانتهاء.

وارتفع اذان الظهر وانتشرت روائح الارز المطبوخ باللحم، وبعد الغداء جلسنا إلى ديوان المقيل واحتد نقاش حول الاحزاب وحول الانتماءات السياسية.
وكانت خطب رئيس مجلس القيادة المقدم ابراهيم الحمدي محل اهتمام الجميع فقد كان توجهه الوطني واضحا، تصحيح مسار الدولة والقضاء على الفساد والخلاص من سطوة القبيلة ونفوذ المشائخ والذين كانوا ينازعونه السلطة، ويعارضون تقاربه مع الرفاق في الجنوب لبحث إعادة الوحدة والتي كان يسعى لتحقيقها.

ودار جدل حول النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي وايهما تختار الأنظمة في توجهها لبناء إقتصاد الدولة.
وكان النظام في الجنوب يدور في فلك الاتحاد السوفيتي ويسعى لتطبيق الاشتراكية وفي حالة اعادة توحيد البلاد، كان التسائل الملح الذي يطرح دائما ماهو شكل الدولة ونظامها الجديد. هل سيتخلى الجنوب عن منهج التطبيق الاشتراكي؟ أم سيسعى إلى تغير النظام في الشمال برمته.

وبرز صوت يقول الاشتراكية لا تعترف بالدين! وهذا ما يتعارض مع عقيدة الشعب اليمني المؤمن.
ووضح ذو الميول الفكرية اليسارية بأن الإشتراكية لم تظهر في القرن الميلادي الأول ضد الدين
المسيحي. ولم تظهر في القرن الأول الهجري ضد الدين الاـ///ــلامي.
بل ظهرت الاشتركية التي نادى بها كالارآل ماركس في القرن التاسع عشر كنقيض وبديل للرأسمالية الجشعة التي سيطرت على الأسواق وتسعى للربح الفاحش على حساب الفقراء.

أما الاشتراكية العلمية تتجه نحو العدالة الاجتماعية ولكن لجأت الطبقات المهيمنة على رأس المال على استخدام رجال الدين. و الدين رسالة سماوية يقف ضد القهر والظلم وليس من حق احدا احتكار الدين وتفسير قضاياه لصالحه.

وكانت النقاشات لاتدخل ظمن الاختلاف والتعصب والكراهية وإنما كانت بين المتحاورين شكل من اشكال الترف الفكري والاطلاع والمعرفة.

وفي ذلك الزمن لم أشعر قط مثل ما شعرت في تلك الأيام باندماجي الروحي والفكري في أجواء ريمة، والتي كانت مصدر إلهام ومعرفة وشوق وعشق ومحبة.

ومع أبناء ريمة لم نشعر بتميز مناطقي بل كنا نقر أن في جوهر كل واحد منا ما يوحدنا ويؤلف بين قلوبنا.

وانطلقت صداقات واسعة تركت أثرا طويلا في القلوب، ولازالت ريمة ذاكرة متجددة وصدى حب ونبض دائم لجمال الحياة فقد زينها الخالق العظيم بطبيعة خلابة وشعب يغمرك بالمودة والكرم.

ومنذ أن بدأت أكتب بعضا من ذاكرة أيام ريمة والزمن الجميل وجدت ترحيب واسع من القراء الأوفياء من أهل ذلك الجبل الجميل وزادني تفاعلهم سطوعا من ضوء ينير سعادتي ويجدد حبي الخالد لشعب محافظة ريمة.

#ذكرى_في_ريمة


اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى