كتّاب

رمضان: مشاوير البهجة (1)…


رمضان: مشاوير البهجة (1)
تبدأ روايح رمضان تهل علينا بما تسعى أمى و”ستى” من تخزينه: تمر وقمر الدين وزبيب وسودانى، وما تتحدث به أمى: عن كام دكر بط تم تزغيطهم استعدادا للشهر الفضيل؟ ومن من إخوتى الكبار الذين يعيشوا فى القاهرة لأنهم طلاب فى الجامعة سيدركنا ويقضى أياما معنا فى رمضان
وفى عودتنا من المدارس نقف طويلا لنتأمل أفران الكنافة والقطايف المستديرة التى يبنيها من الطين والطوب اللبن بعض الحرفيين أمام دورهم فى الأحياء المختلفة، وكأنهم يصنعون تماثيلا خالدة
ثم تفاجئنا ستى بعد الغداء قبل يومين من رمضان بأن نستعد لتأخذنا بعد العصر لمحل عم “حامد زلط” السمكرى، لشراء الفوانيس، – أتحدث هنا عن النصف الأول من ستينيات القرن الماضى”.. ثم تأخذنا فى يدها خمسة أو ستة إخوتى من الصبيان والبنات “فوق روس بعض” لابسين ملابس نظيفة، كانت التقاليد تشير إلى أن الإخوة الكبار ليس لهم فى هذا المشوار، ونصل الدكان المعلقة أمام بابه الفوانيس الرائعة المصنوعة من الصفيح والزجاج الملون، فوانيس مبهجة وأليفة وإنسانية تهمس لك بعمق تاريخها وثراء الثقافة التى صنعتها، وبعد التحية يتقدم الأخ الأكبر وقلوبنا معلقة به فلو نجح فى استخلاص فانوس غالى فستكون حظوظنا معقولة، لأن التقاليد كان تقتضى أن تنزل فئات الفوانيس مع صغر فئات اعمارنا واحدا بعد واحد، وكان الفانوس المعقول لا يزيد ثمنه عن خمستاشر قرش، المهم يشير الأخ الأكبر إلى الفانوس الذى يريد ثم ينظر إلى ستى وقلبه يدق بعنف منتظرا قرارها الحاسم، الذى قد يكون بالرفض لغلو سعره أو لهشاشته، وعندها يفكر فى فانوس آخر، وربما فكر أحدنا أن يحتج أو يعترض أو يرفض، ولكن نظرة غاضبة من ستى تهدده بالرجوع من المشوار كله صفر اليدين، فلم يكن أمامنا سوى استعطافها: “والنبى ياستى” وبعدها يدور الفصال بين ستى وعم حامد زلط حتى يتم شراء الفانوس الأول ثم يتقدم الثانى ولدا أو بنتا حتى ينتهى الطابور
بعدها يمنحنا عم حامد “فوق البيعة” دستتين من الشمع الصغير، نوزع بيننا تبعا للهيراركى الذى سبقت الاشارة إليه، ونعود إلى البيت الذى لم يعرف الكهرباء بعد كالبلده كلها، ونتعمد إبعاد لمبات الجاز عن الغرفة حتى لاتضيئها إلا شموع فوانيسنا الصغيرة ونستعد للاستماع إلى “ملحمة ألف ليلة وليلة” من الراديو، وتتكفل الظلال الواقعة من خلال الأنوار المتراقصة لشموع الفوانيس على السقف والجدران بتشكيل المردة والجان والعفاريت الذين نسمع أصواتهم عبر الراديو، فتدق قلوبنا بعنف
يسعد أوقاتكم

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى