توعية وتثقيف

ذكرت فى تعليق سابق أنه كلما زادت “إستعراضية” المتدين كلما…


ذكرت فى تعليق سابق أنه كلما زادت “إستعراضية” المتدين كلما زاد إحتمال أن تقواه لا جذور لها. وكلما إرتفع صخب من يدين المثلية كلما زاد إحتمال أنه يعانى من صراع داخله يدفعه فى ذلك الإتجاه. وكلما إزداد تصايح السياسي ضد الفساد، كلما زاد إحتمال أن الفساد يشغل جزءاً كبيراً من تفكيره. ذكرت أيضاً – من تجربتى- أنه كلما كبُر حجم المصحف على مكتب الموظف، أو الصليب على رسغه، كلما إرتفع حجم الرشوة التى يلزمك دفعها له. وإستخلصت أن هذا يبدو قانوناً عالمياً (universal) لأنى لاحظت نفس الظاهرة فى أمريكا وروسيا وغيرهم.

لا يقتصر هذا القانون على الرشوة والفساد، بل يظهر فى تجليات أخرى غير متوقعة سأتناولها فى هذه المقالة . كثيراً ما نجد أستاذاً جليلاً يذكر أن إسمه ‘فلان الفلانى’ وإنتهينا. أما الشخص الذى يصر على إضافة سطر كامل من الألقاب قبل إسمه، (السيد الأستاذ الدكتور المهندس الجهباذ العلامة الفهامة … فلان الفلانى،) فهو فى أغلب الأحوال مشكوك فى قدراته. لو إحتجت لمهندس لبناء بيتك، فأنصحك بإختياره من النوع الأول لأنى واثق أنه الأكثر كفاءة والأفضل أداءاً.

كذلك فى مجال الفنون – الرسام المبتدئ أو قليل الموهبة تجد توقيعه يكاد يشغل نصف اللوحة، ويبذل فيه وقتا وجهداً يفوقان ما يبذله فى اللوحة ذاتها. أما العظماء من الرسامين فلا يعيرون هذا الأمر أي إهتمام، وكثيراً ما ينسون التوقيع إلى أن يطلبه منهم العميل أو السمسار (*).

وإذا رأيت فى إسم دولة أنها ديموقراطية شعبية جماهيرية مهلبية، فاعلم أنه لا ينطبق عليها أي من هذه الأوصاف. وإذا سمى حزب نفسه ‘حزب النور’، يمكنك أن تراهن على أنه حزب ظلام. وكذلك الحزب الذى يسمى نفسه حزب “النهضة”، بينما هو يبغى إرجاع المجتمع إلى الوراء.

أكلنا ذات مرة فى مطعم فى الإسكندرية كان إسمه مطعم “الإخلاص” (**)، فإذا السَلَطة التى أحضروها كانت “مأكولة” قبل ذلك. (وجدنا فيها عظام ممصوصة بصقها زبون سابق فى السلطه.) هذا عن “الإخلاص”، أما مطعم “الأمانة” (***) فقد أحضر الكباب وفيه دودة حية تسعى إلى رزقها. ولما أبديت إستيائى أوضح مدير المطعم أن الدودة جاءت من البقدونس وليس من الكباب (وكأن هذا سبب معقول لتقديم الدود للزبائن.)

هذا ما نعرفه عن الإخلاص والأمانة والنور والديموقراطية والفنون والهندسة … وسائر التسميات على غير مسمى.
________________________
*) ربما الإستثناء الوحيد هو ڤان جوخ الذى كان يمتلك موهبة فذه (لكنه كان أيضاً يعانى من أمراض عقليه.)
**) كان مطعم الإخلاص على الكورنيش بالقرب من محطة الرمل.
***) كان هذا المطعم فى القاهرة بين شارعي الألفى و ٢٦ يوليو قرب ميدان الأوبرا على ما أذكر

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫11 تعليقات

  1. أستاذي الدكتور فريد متى منذ أن كنت طالبا وأنت معيد بهندسة منوف وإلى الأن وأنا أستمتع بارائك وافكارك شأنك وشأن الدكتور أحمد أبو العطا ولكل منكما إتجاه مختلف أحيانآ ومتفق أحيانآ أخرى

  2. انا لا اتناول الغداء خارج البيت الا يوم السبت وفي مطاعم مختارة او فنادق خمس نجوم خارج مصر. اختيار الهوية البصرية brand يخضع لاعتبارات تجارية وتسويقية بحتة. اتفق معكم ان استخدام تلك الشعارات ذات الايحاءات الثقافية يخفي ممارسة العكس تماما غالبا. وعندما اعمل في الاستشارات الثقافية cultural consultation استبعد خيارات التسمية هذه كلها لأسباب مهنية.

  3. مع الإعتذار للأصدقاء: لم يكن هذا التعليق عن المطاعم. ذكرت المطاعم كأحد أمثلة تفشى ظاهرة إجتماعية هي ميل الناس إلى إدعاء صفات تناقض حقيقتهم. للأسف جاء ذكر المطاعم فى نهاية التعليق، فبدا للبعض أن المطاعم هي الموضوع.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى