خلل فى المنظومة المجتمعية…


خلل فى المنظومة المجتمعية

طرحت فى تعليق سابق فكرة وجود خلل فى المجتمع المصري يؤدى إلى تخلفه على الرغم من وفرة المواهب – خلل يدفع بعديمى الكفاءة إلى مراكز إتخاذ القرارات، و يدفع بذوي العلم و الذكاء بعيداً عن تلك الوظائف. ذكرت فى نفس التعليق مثالاً يُستدل منه على صحة تلك الفرضية،

لكن الأمثلة كثيرة؛ و ها هو مثال آخر مضحك مبكي – أنظر إلى المسوخ المصورة تحت هذا التعليق. هذه تماثيل أقيمت فى ميادين عامة فى مدن مصرية بهدف “تجميل” تلك المدن. من الواضح أن من أنتجا هذين “التمثالين” لا علاقة لهما بالفن من قريب أو بعيد، لكن هذا ليس موضوعنا؛ موضوعنا هو المسؤول الذى أشّر بالموافقة على وضع تلك “التحف” فى أماكن عامة – ربما رئيس مجلس الحي أو رئيس مجلس المدينة أو المحافظ- الله أعلم.

“الفنانان” الذان أنتجا هذه المسوخ القبيحة لا يعاب عليهما سوى أنهما أقحما أنفسهما فى مجال لا يصح لهما أن يكونا فيه. الذى يستحق اللوم هو المسؤول الذى إعتبر تلك المسوخ أعمالاً فنية جديرة بالعرض فى أماكن عامة. أي نوع من الكفاءة يمتلك ذلك الشخص؟ أي قدر من التعليم و الثقافة ؟ أي قدر من الإحساس بالقيم الجمالية؟ أنا لا أعرف ذلك الشخص، (و لا أريد أن أعرفه،) لكنى أراهن على أنه لم يقرأ كتاباً و لم يزر متحفاً أو معرضاً للفنون فى حياته.

هل لم يكن فى تلك المدن (أسيوط والمنيا) أحد يدرك مدى قبح هذه الأشياء؟ بالطبع هناك الكثيرون، (توجد حتى كليات للفنون الجميلة.) لكن الخلل العضوي فى المنظومة يقصر إتخاذ القرار على شخص واحد؛ و ذلك الشخص، كما هو واضح، يفتقر إلى القدرة على التمييز، و ليست لديه الحكمة ليعرف قدر نفسه و يستعين بمستشارين.

أنا لا أتحدث هنا عن السلك السياسي – ذلك المجال تحكمه قيم ومعايير مختلفة تماماً فى جميع البلدان. و أحيانا يؤدى الخلل فى المنظومة السياسية إلى وصول شخص مهووس (مثل هتلر) أو تافه (مثل ترامب) إلى قمة السلطة السياسية، لكن طالما المنظومة المجتمعية سليمة، فهي تظل تحتفظ بقيمها ومعاييرها، و المؤسسات و المرافق و المدارس و الجامعات تظل تعمل كالمعتاد. فى ألمانيا النازية، حتى عندما كانت القيادة السياسية فى أوج جنونها، كانت القطارات تصل فى مواعيدها و الجامعات الألمانية تعتبر من أفضل الجامعات فى العالم، و لا يقيم أحد تماثيل كهذه فى الميادين.

الخلل الذى أتحدث عنه هو خلل فى قِيَم ومعايير المجتمع ذاته و ليس فى المنظومة السياسية فقط. سيقول قائل: “لماذا لا تقول لنا ما هو ذلك الخلل، و نخلص؟” الحقيقة هى أننى لا أعرفه. وليس هذا أمراً غريباً – أحياناً يمكنك أن تجزم بأن الشخص الذى أمامك مريض، لكنك لا تعرف ما هو المرض بالتحديد. تشخيص المرض قد يحتاج إلى فحوص و تحاليل و كونسلتو من المتخصصين.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version