كتّاب

جريدة القبس


حوار مع صحيفة القبس الكويتية..
أجرى الحوار الكاتبة إنديرا مطر.
ـــــــــــ
الروائي مروان الغفوري:
اليمن صخرة انفصلت وغرقت.

ــــــ

“>بيروت ـــــ أنديرا مطر –
يحضر اليمن بمشهدياته المعقدة والمربكة في ثنايا رواية «جدائل صعدة» (دار الآداب)، للروائي اليمني الشاب مروان الغفوري. لا تقتحم مآسي اليمن عالم الرواية كسرد تاريخي، بل تتسرب خفيفة وبطيئة في رسائل متبادلة ـــ اعتمدها الغفوري أساسا لبناء روايته ـــ بين إيمان، فتاة من صعدة من جهة، ومؤلف الرواية من جهة أخرى، لتنسج علاقة حب بين غريبين يستحيل لقاؤهما في فضاء يطغى عليه أزيز الرصاص وضوضاء الحرب. التخلف والجهل والفساد، وتسلط الدين والسياسة وعوالم المرأة المسحوقة، والناس البسطاء المقهورين، عناصر تتشكل منها رواية الغفوري، وهي التي جعلت من «اليمن السعيد» بلدا على طريق الاضمحلال والتشظي.
القبس حاورت الروائي مروان الغفوري حول روايته «جدائل صعدة»، عن اليمن، وعن مخاض الكتابة.

هل كتبت روايتك «جدائل صعدة» في ألمانيا؟ وما تأثير الهجرة على كتابة هذه الرواية؟
ــــ هذه الرواية كُتبت في ألمانيا. أعمالي الأخيرة كتبتها في ألمانيا، من «الخزرجي» حتى «تغريبة منصور الأعرج». لأكن صريحا عندما قرأت للروائي التشيكي كليما سخريته من الكتابة عن الأوطان عن بُعد، استقرت تلك الكلمة في مكان ما في أعماقي. عاد كليما من المهجر إلى بلده، حيث الدكتاتورية المحضة. فقد كانت أكثر احتمالا، بالنسبة له، من الكتابة عن بُعد. لكني، بعد أن اكتشفتُ خالد الحسيني، ورأيته في «ألف شمس مشرقة» و«عداء الطائرة الورقية»، وهو يتوغل في ذاكرة شعبه على نحو مهيب، وهو الذي يعيش في الطرف الآخر من الكوكب منذ طفولته، عدت إلى نفسي. قلت إن الرواية هي الطفل الذي بداخلك، دعه يتحدَث كما ينصح ساراماغو. وكلما كان ذلك الطفل بعيدا عن أمه الأرض كان الخيال أكثر شفافية. حتى ان الشخصيات تصبح أكثر ثراء. الكتابة عن بعد عن قصة في الوطن تحيل الكاتب، مع الوقت، إلى واحد من شخصيات العمل. وفي رواية جدائل صعدة كنت ككاتب، بالفعل، واحدا من شخصيات النص.
فصول الرواية كلها هي رسائل متبادلة بينك ككاتب وبين امرأة من صعدة تدعى إيمان، وهي تروي في رسائلها وقائع عن حياتها وعن الخرافات والأساطير في صعدة. لماذا اعتماد الرسائل المتبادلة صيغة روائية؟
ــــ لا أظن أني اخترت هذا التكنيك الحكائي بوعي. ربما كنت متأثرا بالطريقة التي عالج بها أندريه جيد مسألة اجتماعية معقدة في «بيت الزوجات»، حيث يستهل العمل بجملة «عزيزي أندريه جيد». ولا أظن أن كثيرين من الروائيين يختارون الشكل المعماري للنصوص التي يكتبونها. كان إيتالو كالفينو، صاحب «ثلاثية الأسلاف»، يردد انه يدخل إلى النص الروائي، وفي رأسه مجرد خيال متلاش عن العمل، معمار هلامي عام بلا تحديد. وحتى ذلك المعمار الذي يذكره كالفينو هو بالنسبة لآخرين أمر بعيد المنال. أنت لا تدري، ككاتب، ما الذي ستواجهه في الصفحة التالية، ولا تعلم كيف ستذلل الأعاصير التي تنشأ في الطريق، ولا كيف ستحتال عليها، ولا أي طريق ستسلك.
معظم الرسائل مذيلة بتواريخ تعود لعام 2014، أي عشية قيام أنصار الله (الحوثيون) بانقلابهم في صنعاء. لكن هذا الحدث يحضر حضورا ضئيلا في الرسائل والرواية. لماذا؟
ــــ في الحقيقة لم تسقط صنعاء تحت سنابك الحوثيين سوى في اليوم الأول من خريف 2014. والنص، أي الجدائل، كان قد أنجز مطلع ربيع ذلك العام. وهو نص لا يتعلق بأنصار الله، ولا بأحد إجمالا. هو قصة الحرب والحب والشتات التي يعيشها اليمن منذ اخترع أول رجل ذلك البلد. في تاريخنا من الحروب أضعاف ما أنتجه اليمن من مؤلفات وكتب على مر الأيام. يتحدث المؤرخون اليمنيون عن «حوليات الصراع» في اليمن. بينما تستخدم الأمم الأخرى مفردة الحوليات للإشارة إلى المصنفات الأدبية والمعرفية. كان عبدالعزيز المقالح قد التقط الفكرة الدقيقة، وكتب عنها مبديا رضاه العميق عمّا يسميه حضور الصراع وغياب الأطراف. أي غياب التحيزات. وحاليا لا يمكنك، في اليمن، أن تقول كلمة واحدة خالية من ألغاز السياسة. السياسة في بلدي تعيش على طريقة سفينة صموئيل كوليردج في «سجع الملاح القديم»: ماء في كل مكان، ولا قطرة للشرب. سياسة في كل الجهات ولا سياسة بالمرة.
ما هو دور الأساطير والخرافات في تأليف هذه الرواية؟
ــــ كالعادة، الرواية تخرج من الأسطورة أو تدخل فيها. لهيغل بحوث مطولة عن الرواية التي هي سليل الملحمة، أي الأسطورة إجمالا. وقد خاض ميخائيل باختين صراعا ضد هذه الفكرة، معتقدا أن الرواية هي نشاط «في القاع الاجتماعي». وفي تقديري، في الحالين تخرج الرواية من الأسطورة. سواء من أساطير القاع، أو خرافاته بمعنى أدق، كما يعتقد باختين، أو أساطير السماء، كما ينافح هيغل. وجدائل صعدة ارتكزت، في الأساس، إلى نوع خاص من الأساطير، الأساطير الدينية التي سرعان ما تحول الرجل العاقل إلى أبله، أولا، ثم قاتل ثانيا. هي الشموليات، أو «النيو سبيك» كما يسميه جورج أورويل، التي تعمل على تحويل المرء إلى «لا أحد» يؤدي أدوارا توزع عليه باحتراف بيرواقرطي بارع.
من ألمانيا حيث تقيم اليوم، كيف يبدو لك اليمن حاضرا ومستقبلا؟
ــــ من ألمانيا أنظر إلى اليمن فلا أكاد أراه. كان ملتصقا بالعالم، ثم ذهب يتفكك وينأى، وينأى. هل تتذكرين «الطوف الحجري» لساراماغو؟ هكذا انفصلت صخرة اسمها اليمن عن العالم وغرقت.

جريدة القبس

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫30 تعليقات

  1. حوار مع صحيفة القبس الكويتية..
    أجرى الحوار الكاتبة إنديرا مطر.
    ـــــــــــ
    الروائي مروان الغفوري:
    اليمن صخرة انفصلت وغرقت.
    ــــــ
    “>بيروت ـــــ أنديرا مطر –
    يحضر اليمن بمشهدياته المعقدة والمربكة في ثنايا رواية «جدائل صعدة» (دار الآداب)، للروائي اليمني الشاب مروان الغفوري. لا تقتحم مآسي اليمن عالم الرواية كسرد تاريخي، بل تتسرب خفيفة وبطيئة في رسائل متبادلة ـــ اعتمدها الغفوري أساسا لبناء روايته ـــ بين إيمان، فتاة من صعدة من جهة، ومؤلف الرواية من جهة أخرى، لتنسج علاقة حب بين غريبين يستحيل لقاؤهما في فضاء يطغى عليه أزيز الرصاص وضوضاء الحرب. التخلف والجهل والفساد، وتسلط الدين والسياسة وعوالم المرأة المسحوقة، والناس البسطاء المقهورين، عناصر تتشكل منها رواية الغفوري، وهي التي جعلت من «اليمن السعيد» بلدا على طريق الاضمحلال والتشظي.
    القبس حاورت الروائي مروان الغفوري حول روايته «جدائل صعدة»، عن اليمن، وعن مخاض الكتابة.
    هل كتبت روايتك «جدائل صعدة» في ألمانيا؟ وما تأثير الهجرة على كتابة هذه الرواية؟
    ــــ هذه الرواية كُتبت في ألمانيا. أعمالي الأخيرة كتبتها في ألمانيا، من «الخزرجي» حتى «تغريبة منصور الأعرج». لأكن صريحا عندما قرأت للروائي التشيكي كليما سخريته من الكتابة عن الأوطان عن بُعد، استقرت تلك الكلمة في مكان ما في أعماقي. عاد كليما من المهجر إلى بلده، حيث الدكتاتورية المحضة. فقد كانت أكثر احتمالا، بالنسبة له، من الكتابة عن بُعد. لكني، بعد أن اكتشفتُ خالد الحسيني، ورأيته في «ألف شمس مشرقة» و«عداء الطائرة الورقية»، وهو يتوغل في ذاكرة شعبه على نحو مهيب، وهو الذي يعيش في الطرف الآخر من الكوكب منذ طفولته، عدت إلى نفسي. قلت إن الرواية هي الطفل الذي بداخلك، دعه يتحدَث كما ينصح ساراماغو. وكلما كان ذلك الطفل بعيدا عن أمه الأرض كان الخيال أكثر شفافية. حتى ان الشخصيات تصبح أكثر ثراء. الكتابة عن بعد عن قصة في الوطن تحيل الكاتب، مع الوقت، إلى واحد من شخصيات العمل. وفي رواية جدائل صعدة كنت ككاتب، بالفعل، واحدا من شخصيات النص.
    فصول الرواية كلها هي رسائل متبادلة بينك ككاتب وبين امرأة من صعدة تدعى إيمان، وهي تروي في رسائلها وقائع عن حياتها وعن الخرافات والأساطير في صعدة. لماذا اعتماد الرسائل المتبادلة صيغة روائية؟
    ــــ لا أظن أني اخترت هذا التكنيك الحكائي بوعي. ربما كنت متأثرا بالطريقة التي عالج بها أندريه جيد مسألة اجتماعية معقدة في «بيت الزوجات»، حيث يستهل العمل بجملة «عزيزي أندريه جيد». ولا أظن أن كثيرين من الروائيين يختارون الشكل المعماري للنصوص التي يكتبونها. كان إيتالو كالفينو، صاحب «ثلاثية الأسلاف»، يردد انه يدخل إلى النص الروائي، وفي رأسه مجرد خيال متلاش عن العمل، معمار هلامي عام بلا تحديد. وحتى ذلك المعمار الذي يذكره كالفينو هو بالنسبة لآخرين أمر بعيد المنال. أنت لا تدري، ككاتب، ما الذي ستواجهه في الصفحة التالية، ولا تعلم كيف ستذلل الأعاصير التي تنشأ في الطريق، ولا كيف ستحتال عليها، ولا أي طريق ستسلك.

  2. معظم الرسائل مذيلة بتواريخ تعود لعام 2014، أي عشية قيام أنصار الله (الحوثيون) بانقلابهم في صنعاء. لكن هذا الحدث يحضر حضورا ضئيلا في الرسائل والرواية. لماذا؟
    ــــ في الحقيقة لم تسقط صنعاء تحت سنابك الحوثيين سوى في اليوم الأول من خريف 2014. والنص، أي الجدائل، كان قد أنجز مطلع ربيع ذلك العام. وهو نص لا يتعلق بأنصار الله، ولا بأحد إجمالا. هو قصة الحرب والحب والشتات التي يعيشها اليمن منذ اخترع أول رجل ذلك البلد. في تاريخنا من الحروب أضعاف ما أنتجه اليمن من مؤلفات وكتب على مر الأيام. يتحدث المؤرخون اليمنيون عن «حوليات الصراع» في اليمن. بينما تستخدم الأمم الأخرى مفردة الحوليات للإشارة إلى المصنفات الأدبية والمعرفية. كان عبدالعزيز المقالح قد التقط الفكرة الدقيقة، وكتب عنها مبديا رضاه العميق عمّا يسميه حضور الصراع وغياب الأطراف. أي غياب التحيزات. وحاليا لا يمكنك، في اليمن، أن تقول كلمة واحدة خالية من ألغاز السياسة. السياسة في بلدي تعيش على طريقة سفينة صموئيل كوليردج في «سجع الملاح القديم»: ماء في كل مكان، ولا قطرة للشرب. سياسة في كل الجهات ولا سياسة بالمرة.
    ما هو دور الأساطير والخرافات في تأليف هذه الرواية؟
    ــــ كالعادة، الرواية تخرج من الأسطورة أو تدخل فيها. لهيغل بحوث مطولة عن الرواية التي هي سليل الملحمة، أي الأسطورة إجمالا. وقد خاض ميخائيل باختين صراعا ضد هذه الفكرة، معتقدا أن الرواية هي نشاط «في القاع الاجتماعي». وفي تقديري، في الحالين تخرج الرواية من الأسطورة. سواء من أساطير القاع، أو خرافاته بمعنى أدق، كما يعتقد باختين، أو أساطير السماء، كما ينافح هيغل. وجدائل صعدة ارتكزت، في الأساس، إلى نوع خاص من الأساطير، الأساطير الدينية التي سرعان ما تحول الرجل العاقل إلى أبله، أولا، ثم قاتل ثانيا. هي الشموليات، أو «النيو سبيك» كما يسميه جورج أورويل، التي تعمل على تحويل المرء إلى «لا أحد» يؤدي أدوارا توزع عليه باحتراف بيرواقرطي بارع.
    من ألمانيا حيث تقيم اليوم، كيف يبدو لك اليمن حاضرا ومستقبلا؟
    ــــ من ألمانيا أنظر إلى اليمن فلا أكاد أراه. كان ملتصقا بالعالم، ثم ذهب يتفكك وينأى، وينأى. هل تتذكرين «الطوف الحجري» لساراماغو؟ هكذا انفصلت صخرة اسمها اليمن عن العالم وغرقت.

  3. دكتور مروان انت كاتب بارع وروائي رائع ولكن من خلال هذا الحوار تكثر من اقتباساتك لروائيين ومؤلفين غربيين مما افقد الحوار متعتة التي نجدها في كتاباتك..لاادري ماالحكمة منها ولكنها تظهرك بمظهر الذي يستعرض قدراتة وانة صاحب ثقافة عالية ولكن بطريقة ممجوجة استعراضية. لا اظن انك في حاجة اليها.. كان يمكن للحوار ان يكون امتع واروع ككتاباتك لو تخليت عن هذة الاستعراضية في الاقتباس..

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى