كتّاب

جاود بن جميل كتب قصته…


جاود بن جميل كتب قصته
ـــــ

أرسلت تقول: “اسمح لي يا جاود أعترف لك بأني معجبة جدًا بشخصيتك، الإلكترونية منها على الأقل، لأني ما قد شفتك بالواقع.!”

وقتها كنت بِقَدر سعادتي وزهوي بهذا الإنجاز (أن تجرؤ فتاة على الاعتراف بإعجابها بي صراحةً)- إلا أني كنتُ متوجسًا جدًا من الأمر، إذ ما الذي تراني فعلته حتى أستحق مثل هذا التقدير المبالغ فيه بنظري!

رددتُ عليها بكل تواضع: اللي ما تعرفيهش عني لا شيء أمام ما تقرأيه في الفيسبوك، أنا مليء بالقبح والجهل والفشل المخفيين عن صفحتي في هذا العالم.

تلك كانت مرام التي تفاجأت باستقبال طلب مراسلة منها على الماسنجر قبل عدة أشهر، قالت في رسالتها الأولى تلك: “مرحبًا أستاذ جاود، أنا مرام، أتابع صفحتك عن بعد لفترة، وعجبني أسلوبك والمحتوى اللي بتقدمه، حتى تفاعلك في بعض المجموعات المشتركة بيننا، وهذا اللي خلاني أفكر اني أطلب منك شيء أتمنى يكون عندك وقت انك تنفذه لي”.

قبلتُ طلب المراسلة ذاك، كانت تريد مني أن أساعدها في صياغة وتصحيح بعض الأوراق التي كتبتها كتكليف لمقرر اللغة العربية في الكلية التي تدرس فيها بالجامعة.

تحدثنا بعدها لبعض الوقت، تعرفنا فيها على بعضنا سطحيًا، اسمها مرام، تدرس في كلية الصيدلة، عمرها عشرون عامًا، تحب القراءة وتهوى الكتابة.. أخذ تكليفها مني ساعتين ونصف تقريبًا لأجيده بالشكل المطلوب، مرت بسرعة لأني تشوقت لمعرفة ردها.

أعطيتها التكليف ولم ترد وقتها، غابت لأسبوع، لم نتحدث خلالها يومًا، حتى أني نسيت أنها موجودة وقد طلبت مني شيء، وظننت أن تلك هي نهاية الحكاية.! وفجأةً جاءتني تزف لي بشرى أنها حصلت على الدرجة النهائية في التكليف، وكانت سعيدة جدًا بذلك الإنجاز، وهذا ما أسعدني أكثر منها.

استمر حديثنا تلك الليلة منذ التاسعة مساءً وحتى أذان الفجر، تحدثنا وكأنا نعرف بعضنا منذ سنوات، وشعرت برفقتها بسعادة كبيرة تكاد تشبه لحظات ملامسة رياح الحب لأزهار قلبي، واستمرينا على هذا المنوال لعشرة أيام كاملة، حديث بلا ملل منذ بداية الليل حتى الصباح.!

أخبرتها بصراحة أنني أخشى على قلبها أن يقع فريسةً لذئب انجرافي العاطفي، فأنا شخص ضعيف جدًا عاطفيًا، ولا أكاد أشعر بذرة اهتمام وعاطفة حتى أرفع الراية البيضاء معلنًا استسلامي للهوى! غير مباليًا بحقيقة وواقع الفتاة، جمالها، حسبها، عمرها، شكلها…الخ، أحب فقط شعور الاحتواء والاحساس بلحظات الحب وتمضية أوقات سعيدة برفقة إحداهن!

ومع الأسف، لكثر ما ظننت أن مشاعر الحب تلك صادقة إلا أنني سرعان ما أكتشف زيفها وحلول وقت انتهائها في تجارب سابقة كثيرة، والنتيجة غالبًا ما كانت بشعة وكارثية في لحظة صحوي واستيعابي للمدى البعيد الذي تطورت إليه تلك العلاقات حتى باتت تشكل لي كابوسًا أسعى للفكاك منه!

-مرام، صدقيني.. أنا خايف عليك مني، ياما قلوب عذارء دنستها بغبائي واندفاعي وتسرعي، ياما قلوب نامت وهي تبكي وتدعو عليّ وتتألم من جراح أنا كنت سببها.!
-مالك يا جاود، احنا فقط أصدقاء، حسستني انني رجمة بنفسي عليك وميتة بحبك وبين اتفداك تحبني هههههه، أنا سعيدة بك كصديق مبدع ومثقف واستفيد منك كثير، وفخورة بصداقتك واتمنى ما يجي يوم وتنتهي.!
-تمام، وأنا سعيد أكثر منك، لكن لو تشتي فعلًا تحافظي على صداقتنا فلا تكرريش غلط من قبلك وتدخلينا في دائرة العاطفة والحب، لأنه نهايتها واضحة جراح وقهر وزعل، فلا ترجعي بعدا تقولي خانني ولعب وخدعني، باختصار أنا لا أبحث عن فتاة للحب ولا للزواج، أنا شخص حر ولا أفكر بالزواج أبدًا.!
-اسمعلك ذيه، مالك هكذا بتداهف بروحك، قلت لك أنا أصلًا مقتنعة وواثقة أنك مش الشخص المناسب اللي أنا اشتي أتزوجه!

بالرغم من ثقتي بأنها قالت تلك الكلمات فقط لتواري جرح كرامتها وكبريائها الذين جرحهما كلامي ذاك، إلا أني شعرت بالألم والرغبة في التحدي: حتماً ستأتي هذه الفتاة باكيةً يوما ما تصرخ بكلمة: أحبك يا جاود، أحبك، أحبـــك؛ مع أني لا آمل ذلك حقيقةً.

-حلو كلامك، لكن أنتِ عارفة بأن السبب في كلامي هذا هو العلاقات الثلاث اللي خضتها مؤخرًا وتسببت فيهن بجروح لفتيات قالين لي نفسسس كلامك ولو بعبارات مختلفة، وكان غرضهن صداقة لا أكثر! لدرجة اني قررت ما عاد ازيد اسمح لنفسي أدخل بأي علاقة مع النساء للما يكون الوقت مناسب لعلاقة مثالية تنتهي بالزواج. والذي مطمني منك أني للآن ما أعرف وين أنتي ساكنة ولا عندي اهتمام أعرف، ولا أعرف شيء عن أهلك وحياتك الواقعية، يعني مجرد رفيقة روح، وهذا كافي.

بعد علاقة دامت لأسابيع، اعترفت لي بأنها مخطوبة؛ لكن لشخص هي لا ترغب فيه، أجبرتها عليه أمها التي لم تستطع رفض طلب صديقتها المفضلة تزويج ابنها من مرام.

جاءتني مرام تطلب النصيحة والغوث، ناقشتها واستفسرت منها كثيرًا حتى أقنعتني بأنها فعلًا لا تريده، فنصحتها بأن تكون قويةً وأن تملك قرارها بيدها وتقول “لا” ولو لمرة واحدة لتحافظ على سعادتها وحياتها، وهكذا فعلت وفسخت خطوبتها.

بعد كل تلك المدة منذ بداية تعارفنا، أخيرًا استقبلت منها طلب صداقة في الفايسبوك، فقبلت وقمت بزيارة لصفحتها، لأنذهل من مدى براعتها وإجادتها للكتابة وقواعدها، حتى قبل أن تأتِ لتطلب مساعدتي، بل وقتها كنت أنا المحتاج للمساعدة في قواعد النحو واللغة، التي تظاهرت هي خلال فترة تواصلنا بأنها لا تجيدها، فاستمريت لأسابيع أناقشها وأعلمها في كل يوم درس في النحو أو الإملاء😅.

سألتها فصرحت بأنها فكرت كثيرًا بوسيلة تستطيع من خلالها فتح مجال الحديث ببننا لكنها لم تجد غير تلك!

وفي ليلة ساحرة من ليالي تواصلنا على الماسنجر، طلبت رقم هاتفها لنتحدث عبر الوتساب، حيث كنت أشعر أن فيه أكثر خصوصية وارتياح من الماسنجر، أعطتني الرقم وراسلته وقتها، ووجدتها تضع صورة ليد رقيقة وجميلة وفيها إسورة جميلة تزيدها جاذبية، شغلني فضولي فسألتها لمن هي تلك؟
وأجابت بأنها يدها هي.!

لم أحتمل فضولي المتنامي بشكل رهيب، حتى طلبت منها أن ترسل لي صورة لها، وأنا على ثقة أنها ستفعل ولن ترفض لي طلب، فهي في الأساس كاشفة الوجه في الواقع، وليتني لم أفعل!
جاود
جاود بن جميل
اعتذرت بكل ذوق عن إرسال صورتها، وأنا قبلت اعتذارها وأنا أشعر بأني شخص بلا كرامة وقبيح جدًا، لم أكن بعقلي لحظة فكرت بطلب شيء مثل هذا من فتاة أعتبرها صديقةً لي.!
في اليوم التالي تفاجأت بإرسالها صورتها إلي، مرفقة بعبارة: “لم أستطع احتمال رفض طلبك، أمانة عليك تحذفها بعدما تشوفها”.

مضت ثلاثة أيام متوالية منذ لحظة تحميلي للصورة وأنا فاقد لوعيي وغير مدرك لما يحدث حولي، أهلوس دائمًا بالكلمة التي قلتها لها بعدما استطعت إغماض عينيّ والتوقف عن مشاهدة صورتها لبعض الوقت: أحبـــ🌹ــك أحبك أحبببببك يا مرام.!
من أين أتيتِ؟
وكيف أتيتِ؟
وكيف عصفتِ بوجداني؟!

سقتُ إليها كلمات الإعجاب والمحبة والعشق شعرًا ونثرًا وقصائدًا، ولو أني عرفت عنوان دارها لذهبتُ إليه أصرخ لأسمع كل من يعرفونها بأني أحبها وأريدها زوجةً لي!

لم أستطع في حضرة ذلك الجمال الرباني الساحر الأخاذ والغير معهود- أن أكبح جماح عاطفتي، بل إنه من المحرم في عرف المحبة أن ينظر أحدهم لذلك الوجه الملائكي الفاتن ويظل مسيطرًا على عقله وقدرته على الاحتمال، بل يجب أن تتلى في محراب ذلك الوجه آيات العشق والهيام، وأن تتوجه القلوب نحوه لتؤدي صلوات الرغبة والخضوع والاستسلام!

لم يكن رد فعلها بأقل غرابة من رد فعلي، إذ هي سرعان ما وجدت فرصة لتعبر عن المشاعر البالغة البروز بالنسبة لي والتي كانت تحاول إخفاءها قدر استطاعتها وفشلت، فبادلتني مشاعر الحب المتدفقة، حتى شعرنا بأن الأرض غير كافية لتحتملنا، فسمونا بأرواحنا نتعانق في السماء، حيث لا نظرات الأغراب ترمقنا، ولا حاسد ليبغضنا!

تفاقمت الغيرة في قلبي عليها، فحذفت كل من صفحتها من الذكور، وامتنعت عن أي نشاط مختلط في الجامعة، وباتت منعزلةً عن الجميع سواي، بما فيهم عائلتها.

مضت منذ ما حدث من جنون أربعة أشهر مليئة بالسعادة والعواطف المتفجرة، حتى انفتح في مخيلتها باب التخطيط للزواج والمستقبل وأسماء الأطفال وألوان حيطان المنزل والتخطيط لكيف سنقضي أيام الأسبوع ببهجة دائمة!

وهنالك فقط، أغلقت باب قلبي بقسوة رغم آلامه وبكائه، وبدأت أنظر للأمر بعقلانية ورعب شديد!

نعم، هي فتاة صغيرة وجميلة وذكية في العلم والعاطفة.
نعم، أحببت حالة الشعور بالحب التي عشتها معها.
لكني لم أكن أبحث عن حب، ولم أحبها هي لذاتها لأني لم ألتقِ بها قط، بل أحببت اهتمامها وأعجبني مظهرها، وتواصلنا لم يكن سوى إلكترونيًا، وكأنها آلة تضخ لي مشاعر حب واحتواء واهتمام لا أكثر!

أنا على ثقة بأني شخص جيد، وأنني لم أنوِ التلاعب بمشاعرها، وهي التي لم تجرب لذة الحب مع أحد قبلي قط.
لكن ما يحدث يقول لي صراحةً: أنت رجل سيء جدًا جدًا يا جاود، أنت قبيح ومجرم؛ لأنك لا تتعلم من أخطائك، وتكررها مرة تلو أُخرى. أنت لا تستحق ذرة حب أو احترام لا من مرام أو سابقاتها اللواتي تجرعن آلام خذلانك وزيفك الذي تسوقه إليهن مبهرجًا ثم تكشف عنه فجأةً.

أنا في حيرة شديدة من أمري، هذه الفتاة غيرت من طباعها كثيرًا، ومن أفكارها وتفاصيل حياتها وعلاقاتها حتى ترضيني، ولتكون جميلةً في نظري. وهي كذلك ساحرة خلابة فاتنة ولا تشوبها شائبة ولا أجد مبررًا منطقيًا يدعوني لإنهاء العلاقة وهجرانها!

فكرت لأيام طويلة، ووصلت لقناعة مفادها أنني لا أحبها لشخصها حقيقةً، وإنما أحببت فكرة أن هنالك فتاة ما تهتم بي وتخبرني كلمات الوجد بكل لغات الحب المكتشفة سابقًا والتي اكتشفتها هي لأجلي كذلك.

صحيح أن الفتاة تعجبني، لكن ليس لدرجة أن تكون زوجة لي، أخبرتها وحذرتها من البداية من خطورة هذه النتيجة التي تتكرر معي بشكل دوري.. لكن قلبها لم يعِ أو يسمع.!

حتى هذه اللحظة وأنا أفكر وأبحث عن وسيلة أكثر لطفًا وأقل إيلامًا لأخبرها بأن “هذا حد الطريق المشيناه” (أغنية للفنان بشار السرحان- استمع لها)، أو لأقول لها كلمة: “انتهـــينا” (أغنبة لعبدالله الرويشد- استمع لها).

لا داعي لأن تخبرونني بأني قبيح وسيء، فأنا أعي هذا جيدًا، وأمقت نفسي كثيرًا لذلك، كل ما أتمناه منكم أن تدلوني على طريقة قتل رحيمة، أنهي بها حياة هذه العلاقة المشلولة بسببي، لتخرج منها مرام المسكينة بأقل الآلام والجراح.

أكتب والألم يعتصر قلبي، ودمعي يكاد يسقط من عينيّ، بل أخشى أنه قد فعل. وكلي أمل بأن تغفر لي مرام وكل فتاة اغتلتها حلمها بالزواج بي بعد أن غذيته بجهلي وغبائي، ثم مثلت بجثته بعد قتله.!

رجاءً، ابتعدوا لمسافة أمان كافية لتقيكم وإياهن هذه المصائب، وكفوا عن تدنيس عذرية القلوب!
هذا طلب ممن لم يسعفه الندم ولا الألم ليصلح ما أفسده طيشه وغباؤه.

#jawed_3awadhi

https://www.facebook.com/JawedAl3awadhi

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى