كتّابمفكرون

“تساؤل”…


“تساؤل”
تصوّر أن وقف شخص ما, في مكان مزدحم, ساكنا ولكنه يرتدي قميصا, كتب علي صدره “أنا علماني”, ماذا تتوقع أن يلاقيه هذا الانسان؟
حتما سينتهي الأمر به مضروبا وقد تقطّع قميصه, وسيفرّ راكضا محاولا الإبتعاد, إن مرّت الأمور بسلام.

يكفي أن يصيح أحد الأغبياء “هذا الرجل علماني يعني كافر”, وسيلتف عليه الصبية والكبار, يسبّونه ويركلونه وينعتونه بأقذر الألفاظ.

تصوّر أيضا أن رجلا فاهما يشهد الموقف, وأراد أن ينقذ الرجل فقال “يا سادة علماني مش يعني كافر”, هل سيجد من يسمعه؟ أو إنه سينضم الي صف العلماني في وصلة السب والضرب والتقطيع.

ان التربية أو قل اللا تربية الدينية للصغار, والتي تأخذ من الدين قشور ضئيلة مضمونها الحلال والحرام والخوف من النار, تخلق وعيا مريضا منقوصا لديهم عن حقيقة العقيدة, ومعني الأديان, وجوهر التدين, وعلي نفس الخط سيكبر هذا الصغير, في بيئة تسودها الأمية وقلة الثقافة فيصير محدود العقل مشوه التفكير.

تلك الصفات عندما تتواجد في أصحابها, تظهر الحاجة الي الإحتماء بمجتمع صغير أو كبير, يعوض ما لديهم من نقص, وبالتالي فهي صفات تؤهل بكل كفاءة للعنصرية والتحزب, ولن يجدوا أفضل من التحزّب الديني الذي لا يعرفون عنه الّا القليل.

هذا النوع من الناس وهم كثرة يكفيه أن يسمع شيخا جاهلا أيضا يقول (العلمانية كفر) دون توضيح ليصبّ جام غضبه علي العلماني.
ماذا لو سمع في التليفزيون رجلا بذقن, يقول أن العلمانية (يعني أمك تقلع الحجاب واختك تمشي في الشارع عريانة والرجالة تتجوز بعض) هكذا تكون الدائرة قد أغلقت ولا أمل أبدا في أن يقتنع هؤلاء بأنّ العلمانية ليست كفرا بل هي شيء جيد.

بالتأكيد شيخ الأزهر وكل الأساتذة العاملين معه يعلمون أنّ العلمانية ليست كفرا ولا الحادا, ولكن العلمانية تضربهم في أعزّ ما لديهم, تضربهم في الكهنوت الديني الذي يسعي للسيطرة علي المجتمع بإسم الدين, لتكون لهم الكلمة المسموعة في كل الأوساط, والّا فسيتقلص دورهم الي الحد الذي لا يوفر لهم السلطة والسطوة, والمال.

وبالحديث عن السلطة والسطوة, نذهب الي السياسيّين وأنظمة الحكم الديكتاتورية, التي تعلم جيدا ما هي العلمانية, وما سوف تجلبه لهم من مشاكل مرتبطة بحرّية الرأي والتعبير, وهو ما يتهدد مناصبهم وسلطاتهم غير المحدودة.

اذن فإنّ العلمانية في هذا المجتمع تواجه بسلطات ثلاث, هي نظام الحكم, والسلطة الدينيّة, والسلطة الشعيبة, ولا يتبناها سوي عدد من المثقفين المجردين عن أي هوي, والذين يملكون الشجاعة في اعلان علمانيتهم, وهم بلا شك قلّة محدودة.

يخبرنا التاريخ أن التقدم والنهوض للأمم ملازم للعلمانية, وجوهرها إقصاء الدين عن السياسة وأمور الحكم, وتحقيق المساواة التامة بين الأفراد, واطلاق الحريات بمختلف أشكالها, وهو ما يصعب تحقيقه في هذا المجتمع.

ولتقريب الصورة أكثر, هب أنّ مجلس الوزراء قد أعيد تشكيله ليحوي بين أعضائه وزراء في قمّة الكفاءة والتخصص, فيهم المسلم والمسيحي والملحد واللاديني والروحاني, وليس من بينهم وزير للأوقاف, وكلهم يعلنون أنهم علمانيون, وسياساتهم لا تقبل التدخل الديني, هل يمكن لوزارة هكذا أن تقوم في مصر؟
#بالعقل_والهداوة

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى