كتّابمفكرون

“بين عبودية السيّد وعبودية الأديان”…


“بين عبودية السيّد وعبودية الأديان”

قد تكون الصورة الأحدث لقيام أمريكا وتطورها, هي المثال الحي لفكرة العبودية لدي الجنس البشري, لا تختلف بل تتطابق مع فكرة العبودية في منشأها.

فبعد إكتشاف الزراعة ونشأة الملكية وتكوّن المجتمعات وتوفر فائض الغذاء, ظهرت الحاجة الي الأيدي العاملة, وكانت أرخص الطرق لذلك هي استعباد المستضعفين, وعندما نشأت الحروب بين المجتمعات المختلفة, بغرض الإستئثار بمصادر المياه والأراضي, كان استعباد المهزوم وسيلة جيدة لتوفير تلك الأيدي العاملة والتي لا تتكلّف كثيرا.

كل الحضارات القديمة استخدمت العبيد, ونشأت العبودية منذ 3500 سنة قبل الميلاد, وأول ظهور تاريخي مسجل لها كان في الحضارة السومرية في (العراق), وكانوا يشكلون أغلبية السكان, وهم مسؤولون عن جميع الأعمال اليدوية والشاقة, وهم جزء من ممتلكات المالك القيّمة طبقا لقانون حمورابي, وليس لهم أي حقوق قانونية.

وقد استخدم الرومان العبيد على نطاقٍ أوسع من أي وقت مضى في ظل الجمهورية, وبوحشية أكبر حيث كانوا يجلدون بقسوة, ويجبرون علي المصارعة التي تنتهي بقتل أحد الطرفين.

لا يخفي علي أحد أن هذه الظاهرة الإجتماعية البغيضة, هي ظاهرة انسانية بحتة, فلن تجد حيوانا أو حتي حشرة تستعبد أحدا من جنسها.

اللافت للنظر أن الأديان علي اختلافها, والتي يجب أن تحث علي الرحمة والسلام, استلهمت ظاهرة العبودية, في تحديد طبيعة العلاقة بين الإنسان والإله, بل وخاضت فيها الي درجات أكثر عمقا, لتفرضها بشكل مطلق, وتجعلها ملكية تامة تستدعي السمع والطاعة والثواب والعقاب, بدلا من الانتماء المعنوي الراقي الذي يقوم علي الحب والعرفان والرحمة والاحترام.

علي الجانب الآخر, أقرت الأديان (كلها) مبدأ العبودية, وخاضت فيه شرحا وتنظيما وتفسيرا, بشكل يخلو من أي عدل أو مساواة بين البشر, فجعلت علي سبيل المثال أي إمرأة عرضة للأسر والبيع والاستغلال الجنسي, دونما أي إرادة منها, فقط لأن قبيلتها هزمت أو لأن جماعة من المجرمين أغاروا علي موطنها وقتلوا رجالها وخطفوها.

أمّا ما جاء في الأديان من حثّ علي عتق العبيد, لنيل الحسنات أو التكفير عن الذنوب, لم يكن الّا إثباتا لقاعدة جواز الاستعباد والاسترقاق وتأكيدا له.

والمثير للإنتباه أن تحريم العبودية, والقطع بمنعها وتجريمها, جاء بعيدا عن الأديان, كنتيجة لإنتصار الشمال الأمريكي علي جنوبه, وقيام الثورة الفرنسية, ودعوة المفكرين الليبراليين للحرية والمساواة, ما نتج عنه صدور قوانين تحريم العبودية في العالم كله, بدأتها الدنمارك في 1804, واختتمت بقرار الأمم المتحدة عام 1953.
#بالعقل_والهداوة
13 نوفمبر 2018

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Sameer Zain-Elabideen سمير زين العابدين

خريج الكلية الحربية فبراير 1969, أعمل حاليا في النظر حولي وأشياء أخري, عقلي هو إمامي ورئيسي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى