بعد هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية قبِل اليابانيون الأمر…


بعد هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية قبِل اليابانيون الأمر الواقع، وبدلاً من ندب حظهم أو إختلاق أمجاد وهمية إنكبوا على خلق مجد حقيقي بتحويل مجتمعهم إلى واحد من أرقى المجتمعات الصناعية فى العالم (إن لم يكن أرقاها على الإطلاق.) ركزوا جهدهم على أن يكون كل شيئ ياباني هو الأفضل من نوعه فى العالم – السيارة اليابانية، الكاميرا اليابانية، التليڤزيون اليابانى، … حتى الورق اليابانى. وغيروا كل شيئ فى مجتمعهم – من نظام الحكم إلى نظام التعليم – لكي يتحقق هذا الهدف، وبسرعة مذهلة – فى حياة جيل واحد.

لم يفرض اليابانيون على العالم إحترامهم بالبلطجه (إحترمنى وإلا سأقتلك،) ولا بالرشوه (إحترمنى لأعطيك مساعده،) ولا بالوراثه (إحترمنى لأن أجدادى كانوا عظماء،) بل تركوا منتجاتهم وأخلاقياتهم تتحدث عن نفسها وتكتسب الإحترام برقيها وسموها.

لكن كفانا فلسفة، فما وضع اليابان فى مكانتها ليس الفلسفه، بل ‘عقيدة الجودة’ التى إعتنقوها.

تبنى الشركات اليابانية الجودة فى جميع مراحل الإنتاج – من التصميم إلى التصنيع إلى الخدمه. ويفهم رجال الأعمال اليابانيون أن هذا لا يمكن تحقيقه بأوامر ‘من فوق’، بل لا بد أن يكون مشروعاً متكاملاً يشترك فيه العمال أنفسهم بأهم دور. وإبتكرت الصناعة اليابانية برنامجاً غنياً من الممارسات التى يستطيع العاملون من خلالها حل مشاكل الإنتاج وضمان جودة المنتجات. لن أتعب القارئ بسرد شامل لذلك البرنامج، بل سأقدم مثالاً واحداً أصبح الأكثر شهره، وهو خرطة إيشيكاوا (Ishikawa diagram) التى غالباً ما تسمى ‘خرطة هيكل السمكه’ (fishbone diagram).

دعنا نتخيل شركة صغيرة تنتج شباشب من البلاستيك. ظهرت مشكلة فى خط الإنتاج وأصبحت الشباشب تتشقق بعد فترة من الإستعمال، وأدى ذلك إلى نسبة عالية من الشكاوى. ماذا يفعل اليابانيون؟ يجتمع فريق العمل بأكمله فى جلسة تسمى العصف الذهنى (brainstorming) . (كلهم – من كبير المهندسين إلى عامل النظافه.) يبدأون بصياغة المشكلة فى جملة واحده (هذا سهل فى هذه الحالة لكن ليس دائماً.) يرسمون على السبورة خطاً أفقياً هو العمود الفقرى لهيكل السمكه ويشير إلى صيغة المشكلة فى رأس السمكه (أنظر الصوره المرفقه.)

بعد ذلك يبدأ العصف الذهنى. ما هي الأسباب التى يمكن أن تؤدى لتلك المشكله. يقترح أحدهم إنها الخامه، ويقول آخر إنها الماكينه، … وهكذا. هذه هى العوامل الرئيسية الممكنه، ويضعوها على الرسمة كشوكات رئيسية تتفرع من العمود الفقرى.

بعد أن تنتهى المجموعة من تسجيل كل الفروع الرئيسية، (وتنضب المقترحات،) تنتقل المجموعة إل مناقشة الفرع الأول (الخامه): ماذا فى الخامة يمكن أن يسبب المشكلة؟ يقول واحد نسبة المذيب، ويقول آخر المورد، وآخر مدة التخزين، …وهكذا. وهذه الأسباب هي التى تمثل الشوكات الفرعية المتفرعة من شوكة الخامة الرئيسيه. وتستمر هذه العملية إلى أن يستنفذ الفريق أفكاره، وبذلك يتم “إنشاء” رسمة إيشيكاوا.

[من المهم أن تكون عملية العصف الذهنى هذه تلقائية وحرة ولا يحس أحد بأن أفكاره لن تؤخذ بجديه. ويستحسن لتحقيق هذا ألا يكون مسجل الجلسة هو الرئيس أو المهندس أو أي شخص ذى سلطه.]

الخطوة التالية هى “تحليل” خرطة إيشيكاوا. ويستحسن على أرض الواقع إنهاء الإجتماع عند هذه النقطة وإستئنافه فى اليوم التالى بعقول مرتاحه. وهذا هو ما سنفعله هنا أيضاً، وسنواصل الحديث فى التعليق القادم.


يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Exit mobile version