توعية وتثقيف

مقومات النجاح (جزء ٢ من ٢)…


مقومات النجاح (جزء ٢ من ٢)

طرحت فى المقالة السابقة (جزء ١٫٥) تعريفاً للنجاح بأنه ‘القدرة على تفعيل القدرة الكامنة (potential) للشخص’ (حيث القدرة الكامنة هي مجموع المواهب ونقاط القوة التى منت بها الطبيعة عليه.) و أثارت الصديقة نادية أبو شنب فوراً السؤال المنطقي، و هو: “كيف يعرف الشخص قدراته الكامنة؟” لو كانت الإجابة على هذا السؤال سهلة لنجح كل الناس و إنتهى الأمر. لكنه لسوء حظنا ليس كذلك!

هناك قِلّة نادرة من الأشخاص الأمر عندهم واضح وضوح الشمس – فها هو واحد لا يميز بين “حرف الألِف وكوز الذرة” لكنه يلعب بالكرة و كأن بينها و بين قدميه مغناطيس. و هاك آخر لا يعرف رأسه من رجليه لكنه يعزف على العود ألحاناً ملائكية بلا عناء … و هكذا. هؤلاء هم القِلّة النادرة؛ أما معظمنا فنحتاج إلى مساعدة لنكتشف قدراتنا الكامنة. و قد نشأت صناعة (industry) بحالها فى الولايات المتحدة تسمى (career counseling) حيث يعمل مستشارون متخصصون مع الطلاب و الخريجين الجدد لمعاونتهم على إستكشاف قدراتهم الدفينة.

كل ما سبق ينضوى تحت عنوان ‘ما هو النجاح و كيف أحققه’. لكن هذا لم يكن عنوان هذه السلسلة من التعليقات. ذلك العنوان كان، (و ما زال،) ‘مقومات النجاح’، أي العوامل التى تساهم فى النجاح أيما كان تعريفك له. لذلك سنعود إلى موضوعنا الأصلي و هو “مقومات النجاح”:

يمكننا أن ننظر إلى ‘النجاح’ كدالة لمتغيرات عديدة. معنى ذلك أن قيمة الدالة، (اي مدى النجاح،) يؤثر عليه عدد كبير من العوامل المختلفة. وهذا هو مضمون ما تبقى من هذه المقالة –

نستطيع فى هذا الصدد أن نميز بين نوعين من المقومات – العوامل الذاتية و العوامل الخارجية.

أولاً – العوامل الذاتية. هذه تنقسم بدورها إلى صفات فطرية و صفات مكتسبة.
* الصفات الفطرية، (أي التى وُلد بها الشخص،) تشمل:
– الذكاء، و هذا منه أنواع – الذكاء الأكاديمى، و هو القدرة على الإستيعاب و التدرّب و النجاح فى الإمتحانات؛ و الذكاء العاطفى، و هو القدرة على التعامل مع الناس، بما فى ذلك التعاطف والتواصل و إكتساب الثقة … إلخ؛ و الذكاء الحركي؛ و الذكاء الموسيقي؛ و الذكاء اللغوى؛ و الذكاء الفراغي؛ و الذكاء الشوارعي (street smarts). و قد ناقشنا هذه الأمور فى مقالة سابقة.
– الإنضباط، و يدخل فى هذا القدرة على التركيز، و القدرة على تنظيم الوقت، و القدرة على مقاومة الإغراء، و المثابرة، و الإصرار.
– حسن التقدير (judgment) (و هو غير الذكاء،) و يشمل مجموعة من القدرات الأقل وضوحاً مثل الحدس (intuition)، و الحكمة (و هي أيضاً غير الذكاء،) و التريث.
– القدرة على البت و إتخاذ القرارات (deciciveness)،
– الفضول الصحى (حب الإستطلاع فى الأمور المفيدة،)
– الثقة فى النفس،
– تقبل المخاطرة (risk tolerance).
– المبادرة (initiative).
– الصلابة و القدرة على الحزم مع الآخرين (بما فى ذلك إيذاء المشاعر،) عندما تقتضى الضرورة.
– القدرة على، و الرغبة فى، قيادة الآخرين (leadership qualities).

* الصفات المكتسبة، و هذه تشمل:
– المعارف – بما فى ذلك العلم و الثقافة و التجربة و القدرة على التفكير النقدي (critical thinking)، و آداب الحديث، و الإتيكيت.
– إتساع الأفق، وهو ينتج من المعيشة فى الحضر والتعرف على ثقافات مختلفة و التحرر من الفكر الدوجماطى. و يشمل أيضاً الإهتمام بأكثر من فرع واحد من فروع المعرفة.
– الخبرة و التجربة و الممارسة.
– القدرة على التواصل المهنى و الإجتماعي، و تكوين شبكة (network) واسعة من المعارف و الأصدقاء.

ثانياً – العوامل الخارجية:
* الأسرة: القيم التى نشأ عليها الشخص و أصبحت غريزية. موقف الوالدين من النشاطات المختلفة – (هل يشجعون الأطفال على ممارسة الرياضة، مثلاً؟ أو الموسيقى؟ … إلخ) نظرتهم إلى العمل الحر، إلى التعليم، إلى المساواة بين الجنسين، إلى العرقية أو الطائفية، … و هكذا. النماذج و المُثُل العليا التى تقدمها الأسرة للشخص.
* المجتمع: الثقافة السائدة. التقاليد التى تشجع الإنضباط و الإتقان و إحترام الكفاءة و ترفض الإمتيازات الغير-قانونية أو اللا-أخلاقية (مثل الواسطة و الكوسة فى مصر، أو النسب و القبلية و العشائرية فى مجتمعات أخرى.)
* عوامل كونية: الحظ؛ أن يكون الشخص فى المكان المناسب فى الوقت المناسب.

لا يحتاج الشخص إلى كل هذه المقومات لينجح فى عمله أو فى حياته الشخصية. لكن، من المفيد أن يكون واعياً بها أثناء بحثه عن قدراته الكامنة ووسائل فتح الأبواب اللازمة لتفعيلها.

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

Farid Matta فريد متا

كاتب ادبي

‫9 تعليقات

  1. شكرا جزيلا للتعرض ل موضوع شيق بكل هذا التفصيل رغم ضيق الحيز

    و كأن المقالتين بحث في علوم متعدده

    المشكله هو قدر التداخل الشديد بين كل تلك العوامل

    و نتاج التفاعل الدي قد ينطوي علي تضخيم النتائج و قد يسير بها في عكس اتجاهها في نفس الوقت .

    و الموضوع ممتد الي تعريف النجاح
    ليس بشكله المطلق فقط
    و انما بمنظور الفرد و الجماعه الانسانيه داخل المجتمع الواحد و خارجه

    بل و الي تقييم النجاح نفسه حتي و ان توافرت فيه العناصر الذي يضعها المجتمع ضمنا او صراحه ك معايير نجاح .

  2. لانريد أن نخدع أنفسنا فالمال هو شغل البشريه الشاغل مذ عرف، فإن جائت معه موهبه فسيثقلها وينميها، فلننظر إلى أغلب مبدعينا كانوا من الاغنياء، شوقى ووهبى والحكيم، أو كانوا على الأقل ميسورين كمحفوظ والعقاد، ثم أنظر ماذا كان سيكون نجم او طه حسين لو كانوا اغنياء؟؟؟!!!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى