كتّاب

امين تاكي | إلى بحر الأبدية أيها العمر الراحل وأنت أيها العمر الجديد

امين تاكي:

إلى بحر الأبدية أيها العمر الراحل
وأنت أيها العمر الجديد إليّ

وطأتُ الأرض طفلاً جميلاً، أنبِت في القلوب الحنان، وكنت صلة حب بين أرواح الخلصان
إمتزجت نسماتي بدقائق الأثير، فأصبحَ مُغرداً لامعاً، وامتشقتُ حسام الصبح ضارباً أعناق جيوش الظلام، فسالت منها الدماء في المشرق، وملأت كتائب النور الأرض والسماء

اليوم هو عيد ميلادي الثالث والثلاثين، عدت للنظر في وجهي الطفولي، فإذا به آية من آيات الجمال، وجه شفاف، كأنما هو عصير ورد وياسمين تجمدا، فنُحت وجهاً بشرياً
فمٌ كزِر الورد لطفاً وانكماشاً. وجبهة كبيرة يعلوها شعر أسود. وعينان لهما لوناً بني، مثل عيدان الحطب. وهما كعينيّ بعض أطفال الريف في جمودهما الظاهري وحرارتهما الخفيه وحلاوتهما وتلاعبهما

قَبلتُ خدي، لاهياً بتلك القُبلة عن كآبتي المتصاعدة من فؤادي، كما يتصاعد الغيم من أطراف البحار
ما أعذب قُبلة الأطفال، وما أطيب طعم إبتسامهم

هي الإنسانية، طفلاً في ضعفه. كلما ذاق عذاباً رجى حظاً
ولَإن مزقَت أحشاءه الضغائن والأحقاد، موجات الحب العظيم مابرحت غامرةً فؤاده

تسمع هتافه متخللاً أصوات الصباح، رحماك. رحماك أيها العمر، رحماك
لقد كتبَت إسمك يد الزمان على باب الوجود، فساعدني أنقُش إسمي على باب السعادة

كنتُ بالأمس ألمس الأوتار فتسيل عليها الدموع مُرخيةً قواها، وماتُسمعني سوى شكوى المذلة وأنين العبودية
أما اليوم، أريد أن أُنعشَ أرواح العيدان، لأُوقِع أسمى المبادئ على أعذب الألحان

رحماك أيها العمر القادم، الإنسانية تتألم، فارفق بِها
رحماك أيها الطفل الحبيب. تعال، أُعطِك القُبلات السنوية الثلاث
على جبهتك قُبلة الرجاء، وعلى إبتسامتك قُبلة الوداد، وعلى يديك، قُبلة الإلتماس والتوسل

جبهتك مستودع الأفكار، وإبتسامتك عبير الأزهار، ويداك رمز القوة المنتقلة، أبديةً. من أدهار الى أدهار
يداك جميلتان وحنونتان ودافئتان
أيادِ الأطفال عجيبة، حلوة كابتسامتهم

أيادٍ تنقل إشاراتها مماحفظته من إشارات الملائكة، أيادٍ لاتمتد إلا لمداعبة الندى ولمس الأزاهير، أيادٍ صغيرة طرية
هذه أمنياتي، أُضعها بين يديك، فلا ترمِها فنتلاشى
بل ضُمها إليك لنحيى



امين تاكي | ناشط حقوقي

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى