مجتمع الميم

امرأة دفعت حياتها ثمناً للكراهية – ترانسات Transat


 

 

كتبت: ملك الكاشف

تحرير: مهى محمد

 

لا تختلف أوضاع العابرين/ات جنسياً في تركيا كثيراً عن أوضاعهمن في منطقتنا، و بالرغم من أن تركيا لا تجرم العبور الجنسي و تسمح للعابرين/ات جنسياً بتغيير أوراقهمن الثبوتية منذ عام 1988، وبها مساحة ما للإحتجاجات وللتظاهرات المناهضة لرهاب العبور الجنسي ولمسيرات الفخر، لكن قد لا يكون ذلك كافياً لردع العنف والتمييز، بل وجرائم القتل المستمرة بحق العابرين/ات جنسياً.

ومن بين كل جرائم القتل بدافع الكراهية تجاه العابرين/ات جنسياً تعلق في ذهني دائماً قصة فتاة في مقتبل العشرينات تدعى “هاندي قادر”. هاندي كانت امرأة عابرة جنسياً وناشطة كويرية وعاملة بالجنس، ولدت عام 1993، عرفت بنشاطها في التظاهرات والإحتجاجات المناهضة لرهاب العبور الجنسي وأصبحت معروفة لملايين الأتراك كممثلة لحركة العابرين/ات جنسياً في تركيا، بعدما نشر مقطع مصور لها في مسيرة الفخر لعام 2015 في مدينة ” اسطنبول ” بينما حاولت الشرطة ردعها لأنها نظمت في شهر ” رمضان ” لكن ظهرت هاندي في المقطع هي وصديقتها تجلسان بشجاعة في طريق مدرعة الشرطة في مواجهة المياه المضغوطة والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، غير خائفتين تنظران مباشرة للضباط بلا تردد أو خوف، في حوار مع بي بي سي قال زميل هاندي في السكن أنها لم تكن تصرخ ذلك اليوم في الشرطة فقط بل صرخت في وجه الصحافة قائلة ” أنتم تلتقطون الصور و لا تنشروها , لا أحد يسمع صوتنا. “

 

هاندي أثناء تصديها لمدرعة الشرطة عندما حاولت الشرطة منع مسيرة الفخر باسطنبول عام 2015

 

ولكن لم تناضل هاندي في التظاهرات وحسب، بل في النهاية دفعت حياتها لتحدث تغييراً جذرياً في مسار قضيتها، ففي أغسطس عام 2016 أبلغ زميل هاندي في السكن عن اختفائها بعدما شوهدت لأخر مرة و هي تركب سيارة أحد الزبائن، ومن وقتها لم تعد للمنزل وانقطعت كل طرق التواصل لتستدعية الشرطة في الأسبوع التالي لمشرحة المدينة كي يتعرف على جثتها التي وجدوها  في سوق “زكرياكوي” بأحد شوارع اسطنبول والتي كانت مغتصبة بالتناوب من عدة أشخاص و مقتولة ومحروقة جثتها. قد يعتقد البعض أن ذلك القتل كان في شجار بينها وبين زبون ما، ولكن ما يغض البعض النظر عنه أن كثيرا من جرائم القتل المرتكبة ضد النساء العابرات تكون بسبب أن شخص ما قد انجذب لهن ثم اكتشف أنهن عابرات جنسياً! وقد يكون قتل هاندي من الأساس لا علاقة له بعملها في الجنس بل ربما تكون قد وقعت في فخ منصوب لها، خصوصا بعدما اشتهرت في بلدها كممثلة لحركة العابرين/ات جنسياً. هناك عشرات الاحتمالات لأسباب قتلها لكن ماهو مؤكد أنها في جميع الأحوال كانت جريمة قتل بدافع الكراهية، دفعت فيها هاندي حياتها ثمناً لكونها عابرة جنسياً.

وبالرغم من رفض أسرة هاندي استلام جثتها أو السماح لها بأن تدفن في مقابر الأسرة وضعت هاندي لمستها الأخيرة في التغيير بعد موتها، ففي مسيرة وداعها والتنديد بقتلها حضر نواب الحزب الشعبي الجمهوري وحزب الشعب الديموقراطي و ممثلين/ات و شخصيات عامة ينددون بقتلها و بتساهل الحكومة مع جرائم القتل بدافع الكراهية. 

وبعد وفاة هاندي أعلن نادي جامعة “بوغازيجي” عن منحة دراسية باسم “هاندي” ستقدم للطلبة العابرين/ات جنسياً بدءاً من عام 2017 تخليدا لذكراها. لكن رغم ذلك وبسبب رهاب العبور الجنسي رفض رئيس الجامعة أن تحمل المنحة اسم هاندي أو أن تكون تخليدا لذكراها، وفي شهر أغسطس لعام 2017 صدر بيان من مكتب رئيس الجامعة يقول بأن المنحة لم تكن بعلمهم و تم إعادة كل التبرعات التي تم جمعها وإلغاء منحة هاندي التي كانت ستساعد عشرات العابرين/ات جنسياً على التعلم والالتحاق بالجامعة. 

وفي 19 أكتوبر عام 2018 (أي بعد عامين من مقتل هاندي) وبعد فحص كاميرات المنطقة التي ألقيت بها جثتها ألقت الشرطة القبض على شخص واحد من المتشبه بهم ولكن ما تزال لائحة الاتهام غير جاهزة ولا وجود لتحقيقات جادة، وليس هناك أي تصريح عن اسم المشتبه به أو عن ما وجد في تفريغ الكاميرات، وحتى اليوم لم يأخذ التحقيق خطوة واحدة للأمام. وبالطبع لم يتم القصاص لهاندي. لكنها مع ذلك أصبحت رمزا للعابرين/ات جنسياً في بلادها، وأصبحت قصة وفاتها شاهداً على الكراهية، كراهية المجتمع للعابرين جنسياً وكراهية السلطة كذلك، فحتى تلك اللحظة مازالت تركيا تقع تحت سلطة نظام كاره للاختلاف، مثل الكثير من أنظمة العالم، وكانت هاندي ومعاناتها ونضالها ووفاتها شاهداً صارخاً على ذلك.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملك الكاشف: كاتبة عابرة جندرياً

 



Source link

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى