كتّاب

اليمن كمعضلة سعودية، السعودية كمشكلة يمنية


اليمن كمعضلة سعودية،
السعودية كمشكلة يمنية.
مروان الغفوري
ـــــ

تشكلت، شرق أوسطياً، أربعة محاور يحكمها الصراع فيما بينها: المحور الإيراني، المحور السعودي، والمحور التركي. ثمة سلسلة من الدول الصغيرة ومتوسطة الحجم يمكن تسميتها بالعالم / المحور الرابع، أو دول عدم الانحياز. ما من قضية مركزية يمكن الإشارة إليها في هذه البحيرة المضطربة، وفي المنطقة المائعة التي تفصل المحاور عن بعضها.. لا الحرية ولا الاستقلال، لا التاريخ ولا المنافع الاقتصادية. كأن العربية السعودية تعرفُ ما لا تريد، لكنها لا تعرف ماذا تريد. وبما أبعد، فلديها تخيلٌ تعتقد أنه شامل عما تريده إيران لا عما تريده هي. لن تكون موريشيوس بديلاً عن قطر، ولا موريتانيا عن اليمن، ولا المالديف تعويضاً عن العراق. كل شيء هش، وقبل أشهر اصطدمت السعودية بمواقف النظام المصري حيال المسألة السورية فذهب مسؤولون سعوديون رفيعون لالتقاط الصور أمام سد النهضة الأثيوبي، وهو أحد التهديدات الوجودية الأكثر جدية بالنسبة لمصر. تبدو خارطة الحلفاء التابعة لإيران أكثر استقراراً، فهي دولة ذات تاريخ في التعامل مع حقائق السياسة والجغرافيا يمتد لآلاف السنين، وتدرك جيداً أن الانفعالات البدوية لا يمكن أن تكون سلوكاً استراتيجياً.

الأزمة الأحدث في منطقة الخليج أدارتها السعودية على طريقتها: لكي توقف التوغل الإيراني في المنطقة عليك بالضغط على دول وجماعات تقع ضمن مجالك الحيوي لكي تصبح جزءاً من المجال الحيوي الإيراني. اعترف الناطق الرسمي باسم الحوثيين لصحيفة الوطن السعودية، قبل أشهر، قائلاً إنهم اتجهوا إلى إيران عندما وجدوا الأبواب السعودية مغلقة. وأخبرني الشيخ القبلي المعروف حميد الأحمر، المنتمي إلى حزب الإصلاح الإسلامي، أن السعودية التي تخوض إلى جوارهم حرباً ضد البروكسي الإيراني في اليمن لا تزال تنظر إليهم فقط كرفاق سلاح. انتقلت القيادات الإصلاحية، أغلبها، إلى السعودية، ولا يبدو أن السعودية قررت فتح قنوات اتصال مع الحزب المحافظ الأكبر في اليمن. على النقيض من ذلك فقد سمحت لإعلامها وحلفائها الإقليمين بكيل تهم الإرهاب في حق حزب سياسي لا يطمح، راهناً، لأكثر من أن يكون حليفاً للسعودية. في المجمل يصبو الإخوان المسلمون إلى صداقة السعودية، التي ترفض تلك الصداقة تاركة طرقاً بديلة قد يسلكها الإخوان المسلمون بحثاً عن حليف إقليمي قادر على حمايتهم أو توفيرغطاء دولي لهم.

كان حسن البنا تلميذاً نجيباً لرشيد رضا، المفكر الإصلاحي المعروف. وكان رضا صديقاً للحكام السعوديين، وسبق له أن ألف كتاباً عن الوهابية دافع من خلاله عن كتائب وقبائل “الإخوان” النجدية الوهابية، التي خاضت حروب الجزيرة العربية تحت راية الملك عبد العزيز. يحيل دور غولد، المؤرخ المختص في تاريج الدولة السعودية، إلى مصادر تاريخية تؤكد أن رشيد رضا قد حصل على أموال طائلة من الحكام السعوديين مطلع القرن الماضي. وبحسب رواية تنسب إلى مستشار الملك عبد العزيز، فقد كان بين الطرفين مال، وأيضاً عقائد. بعد وفاة رشيد رضا، ١٩٣٥، صعد تلميذه الأنجب “حسن البنا” إلى الواجهة، وخلفه في إدارة مجلة المنار. كان البنا، تحت تأثير طاغٍ من معلمه رضا، قد اختار لجماعته التي أسسها سنة ١٩٢٨ اسم الإخوان المسلمون، تيمناً بالحركة الوهابية “الإخوان” التي وطدت أعمدة الدولة السعودية الحديثة في نجد، ثم الحجاز. إننا بإزاء تراتب تاريخي يؤكد، من أكثر من جهة، إن حركة الإخوان المسلمين كانت منتجاً سعودياً تاريخياً.

توغلت السعودية وحلفاؤها في حرب اليمن. الحرب تدخل عامها الثالث وهي على المدى المتوسط والبعيد باهضة التكاليف. تفكر السعودية وحليفتها الإمارات بمشهد ما بعد الحرب. الدولتان تريدان يمناً يخرج من ركام هذه الحرب بلا سياسة ولا جيش، وبالضرورة بلا سيادة. دشنت الإمارات مرحلة ما بعد الحرب في جنوب اليمن، وذهبت تنشئ تنظيمات ميليشوية موازية للسلطة البيروقراطية ومتعالية عليها. عبر التنظيمات الميليشوية، وهي تشكيلات قوامها التيارات السلفية الراديكالية، ومن خلال سلسلة إعلامية منفلتة، تذهب الإمارات لشيطنة الأحزاب في جنوب اليمن، من الإصلاح إلى الاشتراكي. شيطنة الأحزاب، وهي الصورة الحديثة للسياسة، تفضي، بالضرورة، إلى تفريغ السياسة من معناها وإحلالها بأعراف بدوية تنتمي إلى ما قبل الدولة كالأبوية والتوافقات والإرادة السماوية، وهو الشكل البدائي السائد في منطقة الخليج. ترغب الإمارات في تفريغ الكيان الجديد من السياسة أولاً، الأمر الذي سيتيح لها الحركة في أرض واسعة تقع كلها على البحر وتعادل أربعة أضعاف مساحتها، فالسياسة هي باب السيادة. لا بد من بقاء المواطنين في جنوب اليمن في مرحلة “الجماهير” حتى يسهل اختطافهم وصناعة مواقفهم وإجماعهم.

السعودية لا تزال عاجزة عن رؤية أصدقائها، أو أولئك الذين يريدون أن يكونوا أصدقاء لها. فعندما أعلنت السعودية انطلاق عاصفة الحزم وجدت دولاً كثيرةً، وتنظيمات تحت دولتية، تقف إلى جوارها. ذلك أن سيطرة ميليشيات طائفية على عاصفة واحدة من أكبر الدول العربية، اليمن، يُعد خطراً لا يحتمل النقاش ولا التلكؤ. غير أن عملية مماثلة أرادت السعودية تنفيذها في حق جارتها قطر أصابت أصدقاء السعودية بالقلق والإحباط. إذ تبدت السعودية، من جديد، كقوة عملاقة وانفعالية لا تكف عن صناعة المشاكل أو المساهمة فيها. وأبعد من ذلك، فالذين سعوا لنيل صداقة السعودية، متخذين سبلاً شتى، ربما صاروا أكيدين أنهم أمام قوة ضخمة تعيش في القرن التاسع عشر، ولا يمكن التبؤ بحركة الرياح على أراضيها.

تدخل حرب اليمن عامها الثالث. ومع اضمحلال الحماس الدولي لتلك الحرب يؤول اليمن على نحو متزايد لأن يصبح مشكلة سعودية شديدة التعقيد. تملك اليمن جغرافيا عبقرية، وهي تتحكم بواحد من الشرايين الحيوية السبعة للعالم، ومن غير الممكن تجاهلها. وإذا كانت اليمن غير قادرة على تصدير الكولتان أو الغاز المُسال فإن لااستقرارها سيجعل من تصدير الكولتان أو الغاز المُسال من مناطق أخرى من العالم أمراً غاية في الصعوبة. يصبح العالم، على نحو متسارع، شبكة قريبة الأطراف، ولم تعُد اليمن تقع في ذلك المكان الذي لا تعلم عنه أميركا ولا أوروبا شيئاً، كما تقول الجملة المدوية في الفيلم الأميركي الشهير “الثلاث الأيام الأخيرة”.

اليمن دولة منهارة على نحو شامل، وقد عملت إيران بشكل رئيسي على صناعة ذلك الخراب. يُزعَم، خليجياً، أن عاصفة الحزم جاءت لاستعادة الدولة اليمنية المنهارة. حتى الآن حققت عاصفة الحزم مهمتها الخليجية لا اليمنية: الحيلولة دون أن يكون لإيران دولة جديدة تدور في فلكها وتخوض صراعاتها. لم يحصل اليمنيون، حتى الآن، على الدولة التي خسروها في مداهمة ليلية. لقد أخفقت توقعاتهم الكُبرى بعد أن وضعوا كل البيض في سلة الرياض. وبالرغم من أن الجزء الأكبر من الأرض أصبح خارج سيطرة الحوثيين إلا أن التحالف الخليجي راح يقسم اليمنيين على ذلك الجزء الحُر إلى أخيار وأشرار، دافعاً الأخيار ـ طبقاً لمعاييره ـ لمواجهة الأشرار، بدلاً عن خلق سلطة بيرواقطية تستند إلى القانون، وتراعي مصالح كل الناس.

وإذا كان “يمن الحوثيين” يعيش في حرب واحدة وظلام دامس، فإن اليمن المحرر حتى الآن يتسكع في حرب الجميع ضد الجميع. وكما طرد حلفاء إيران رئيس اليمن من صنعاء فإن حلفاء الخليج قاموا بطرده من العاصمة البديلة، وبالطريقة نفسها، خدمة لحليفين متناقضين.

اليمن كمعضلة سعودية، السعودية كمشكلة يمنية

يمكنك دعم الموقع من هنا
مؤسسة ندى لحماية الفتيات

‫26 تعليقات

  1. تحليل رائع
    بس نسيت الخلاصه
    الحوثي سطى على الدوله
    لكن الخليج يريد انهاء مسمى دوله

    نصيحتي يرجعوا للبلاد ويتفقوا بينهم على كل نقاط الخلاف وخير في سلامه وسلامه في خير

  2. كأنك تريد أن تقول:
    لايستبعد أن تأخذ إيران #قطر على حين غفله، وتصبح الدوحه العاصمة السادسه بيد طهران، وهذا هو مشروع #ترمب المكمل لمشروع سلفه أوباما.. تمكين إيران من الخليج

  3. مقالة محشبكه تلف وتدور وبإلاخير تريد ان تضع مصلحت حزب أوجماعة فوق مصلحت شعب ودولة ووطن تبأ للحزبية نعم للبدو الذين حققوا لشعوبهم الأمن والإستقرار والرخأ والرفاهية واهم من كل ما سبق العدل فالعدل الإجتماعي يعد الاهم للمواطنين …اما الفرية الكبرى في هذا المقال هي قولك ان اليمنيون يبحثون عن دولة افتقدوها في مداهمة ليلية السوئال الذي يبطح نفسه هل كانة توجد في اليمن دولة الجواب لا ابدا بتاتا البته كان هناك عبارة عن سلطة يسيطر عليها مليشيات الإخوان المسلمين وبعض العسكر والقبائل وكان القاسم المشترك بينهم الفساد وتقاسم الكعكة ….

  4. ادرك الغفوري انه سيء في قرائة التغيرات ودلالتها المستقبلية،فقرر التوجه لقراءة التاريخ، في محاولة تفسير ماعجز عن فهمه اليوم،،،وكل ذلك يحمل رسالة بسيطة مفادها ” الاصلاح ينادي بالحوار مع السعودية”……..وقع الغفوري في حفرتين حفرها في مقاله لتكون دليل يستند عليه امام القراء،الحفرة الاولى في ارجاع اصل الاخوان المسلمين “الجيل القديم في نظره” انه صناعة سعودية وليبرر عدم جدوى محاربته الان……اما الحفرة الثانية في ادعاء الغفوري ان عاصفة السعودية لم تحقق فائدة لليمن بسبب عدم تحالفها مع الاصلاح ” الجيل الجديد في نظره”…..وبذلك الغفوري يحاول القاء اللوم على شيء يحاول التبرؤ منه…..

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى